الفكر الصهيوني من الولادة إلى الحاضر

الفكر الصهيوني من الولادة إلى الحاضر
مرّ الفكر الصهيوني بأربع مراحل رئيسة، بدأت بالمرحلة التكوينية ثم مرحلة الولادة وتبعتها مرحلة الاستيطان وانتهت بالمرحلة الحالية، أسهمت كّل مرحلة بنصيب من الأحداث التي سندرسها تباعًا، بداية من مرحلة التكوين، التي نشأ فيها الفكر الصهيوني على أيدي مفكرين مسيحيين في الفترة الممتدة بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، نظر فيها المفكرون المسيحيون إلى اليهود على أنهم أداة لخلاصهم إذا جُمِعوا في فلسطين، وهذا هو شرط تحقق نبوءات آخر الزمان، وأسهم بزوغ حركة الإصلاح الدينية البروتستانتية في تبلور الديباجة المسيحية للصهيونية.

ولكن مع حلول عصر العلمانية، تراجعت الديباجات المسيحية لتصعد الصيغ النفعية الإمبريالية، في بيئة غربية تراكم فيها رأس المال البرجوازي، بالإضافة إلى تضخّم القوى الاستعمارية وضعف الإمبراطورية العثمانية، وانتفاء حاجة أوربا إلى اليهود على أراضيها، أي المسألة اليهودية، وتهديد العثمانيين لمطامع القوى الاستعمارية، أي المسألة الشرقية، لذلك رُبِطت المسألتان معًا في حل استعماري واحد، وهو زرع فائض اليهود في قلب الإمبراطورية العثمانية للتخلص من عبئهم، ثم جلب النفع الاستراتيجي لمطامعهم الاستعمارية، وهو ما أذن ببدء مرحلة الولادة.
استمرت مرحلة الولادة منذ ظهور الصيغة الاستعمارية الشاملة للصهيونية حتى عام 1948م، رَعَت بريطانيا فيها الصهيونية، وشرعت في تنفيذ مشروعها تحت الانتداب البريطاني في فلسطين، ثم انتقل دور الرعاية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب انتقال مركز القوى الإمبريالية من لندن إلى واشنطن، لتعلن المنظمة الصهيونية في عام 1948م قيام دولة إسرائيل.
أما ثالث مراحل الفكر الصهيوني فهي مرحلة الاستيطان، الذي استمر منذ عام 1948م إلى عام 1967م، وهي الفترة التي سعى فيها الكيان بكل قوته إلى فرض واقع استيطاني إحلالي، يسيطر فيه على الأراضي ويهّجر أهلها، لتظهر مصطلحات مثل الشتات الفلسطيني، وتبدأ بوادر المقاومة الفلسطينية في التعبير عن نفسها، ومنذ ذلك الوقت وصولًا إلى المرحلة الحالية، عانى المشروع الصهيوني أزمات وتهديدات وجودية، مثل مشكلة نقص المادة البشرية والفصل العنصري واستخدام العنف، واصطدم الفكر الصهيوني بعصر تآكلت فيه السرديات الكبرى وانتهت الأيديولوجيات.
الفكرة من كتاب تاريخ الفكر الصهيوني.. جذوره ومساره وأزمته
لفهم الصهيونية بمدى عمقها وتعقيداتها، يتعيّن علينا أن نتجاوز النظرة السطحية ونستقصي في جذورها الفكرية وتطورها عبر الزمن، ونتوقف عن الاستناد إلى مقولات غربية، لأنها ليست كافية لإنارة فهمنا لهذه الظاهرة التاريخية والسياسية المعقدة، إذ نحتاج إلى بناء نموذج تفسيري مستقل يعتمد على البحث العلمي والنظرة الشاملة، بهدف تجاوز الديباجات التي تسيطر على النقاشات وتحجب الحقائق.
يقدم لنا الدكتور عبدالوهاب المسيري مفاتح تفسيرية تساعدنا على استكشاف جذور الصهيونية وتطورها، يتساءل عن كيفية نشأة هذه الحركة والدوافع وراء وجودها، مسلطًا الضوء على السياق الحضاري الذي نشأت فيه، وكيف أسهم المفكرون الصهيونيون في تطوير استراتيجياتهم عبر المراحل المتعددة التي مرت بها الحركة، ويركز على الدور الذي لعبته أوربا في تنفيذ المشروع الصهيوني ورعايته، ثم يعرض لنا الأسباب والملابسات التي دفعت أوربا إلى تبني هذا المشروع وكيف تطوّر هذا التفاعل في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة، مما يمكننا في نهاية المطاف من تطوير أسس قوية لمقاومة المشروع الصهيوني وفهم أعماق تأثيره.
مؤلف كتاب تاريخ الفكر الصهيوني.. جذوره ومساره وأزمته
عبد الوهاب المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، ولد في دمنهور عام 1938م، تخصص في دراسة اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية حتى حصل على البكالوريوس في عام 1959م، ثم نال الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بنيويورك | Columbia University in New York في عام 1964م، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيو جيرسي | Rutgers University in New Jersey في عام 1969م، وعاد إلى الوطن العربي ليدرّس في عديد من الجامعات في مصر والكويت والسعودية، بالإضافة إلى توليه مناصب ثقافية، وانخراطه في العمل السياسي في مصر.
يُعد من أهم المساهمين في نقد الحداثة الغربية، كما أثرى التحليلات والدراسات العربية الخاصة بدراسة اليهود والصهيونية، ومن أهم أعماله:
مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي.
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.
الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان.
العالم من منظور غربي.
الأيديولوجية الصهيونية.
الفردوس الأرضي.