الفكاهة السوداء
الفكاهة السوداء
يقوم الكثير من الناس بإلقاء النكات في غير محلها وفي غير وقتها فيما يعرف بالفكاهة السوداء، كالذين يضحكون على مآسي وآلام الآخرين ويسخرون منها، وهدف هذا النوع من الفكاهة -الفكاهة السوداء- هو تقليل الشعور بالذنب تجاه آلام ومآسي الآخرين وعدم وضع أي اعتبار لبهجتهم وسعادتهم، ويلجأ الإنسان للفاكهة السوداء لأن الشعور بالبهجة والسعادة من معاناة الآخرين هو سلوك غير مقبول اجتماعيًّا وإنسانيًّا، وبالتالي يلجأ هؤلاء إلى الفكاهة السوداء لتقليل الشعور بالذنب وإضفاء الطابع الاجتماعي والفكاهي عليها حتى تصير مقبولة.
كما نجد أن الذين يضحكون على (الموت) هم في الأساس ينتقصون منه ويقلِّلون من قدره وسوداويته كنوع من الانتصار المؤقت على الموت والشعور اللحظي بالخلود، وهذا حال الذين يضحكون على آلام ومآسي الآخرين فهم ينتقصون من تلك الآلام ويقللون من سوداويتها للحصول على حالة لحظية من عدم الشعور بالذنب، وهذا النوع من الضحك الناتج عن الدعابة السوداء ناتج عن خشية الإنسان من العواقب المترتبة على تلك المتعة غير المشروعة والمرفوضة.
كما أن الدعابة تُستخدم في كثيرٍ من الأحيان من أجل كبح وقع الألفاظ على مسامع الناس، وذلك من خلال مزج وخلط المحتوى الجنسي وكذلك المحتوى العدواني -على سبيل المثال- بالدعابة، فمن دون هذا المزج بين المحتوى الجنسي والدعابة لن يتقبَّل المجتمع هذه الألفاظ أو هذا المحتوى، وبالتالي ينتج عن ذلك تقبُّل واستعداد المجتمع لهذا المحتوى ومن ثم فشل قمعها، وبالتالي الشعور بالبهجة والسعادة نتيجة تخفيف وكبح العقاب الناتج عن مثل تلك الانتهاكات، فالدعابة قد تحاول أن تتحايل علينا لقبول مثل تلك الأمور المنافية للأخلاق والمجتمع، فقد رأى فرويد أن الدعابة بمثابة “شخص محتال”، فالإنسان يلقي بالنكات والدعابات بهدف التلذُّذ بالتمرد على المجتمع والأعراف والعادات والتقاليد بينما في ذات الوقت ينكرها، كونها مجرد دعابة، فلا يعترض عليه المجتمع من باب لا ضير من أحمق مسموح به!
الفكرة من كتاب فلسفة الفكاهة
تذهب دراسات كثيرة إلى القول إنه لا ينبغي تفسير الفكاهة، لأن تحليلها وتفسيرها يؤدي إلى تدميرها، إذ إن تفسير الفكاهة ينفي عنها كونها فكاهة، وفي الحقيقة هذا ليس صحيحًا إلا في حال تم إلقاء الفكاهة وتفسيرها في ذات الوقت، وبالتالي فإن فهم الطريقة التي تعمل بها الفكاهة لا يعني في الحقيقة تدميرها، وعمومًا فإن للدعابة والفكاهة استخدامات عديدة، فبعض الأشخاص المتصفين بالعنصرية قد يستخدمونها للترويج لأفكارهم التي لا يستطيعون -خوفًا من المجتمع- قولها بشكل تقليدي خالٍ من الدعابة، وقد تستخدم الفكاهة للحض على فضيلة، أو الترويج للجنس والعنف تحت ستار الدعابة، كما أن الفكاهة من وجهة نظر جوناثان ميلر: هي تسلية مجانية للعقل تريحنا من سلسلة الأفكار الروتينية، وتخفِّف من استبدادها، وتمنعنا من أن نصبح عبيدًا لها.
مؤلف كتاب فلسفة الفكاهة
تيري إيغلتون : هو كاتب ومفكر وناقد أدبي وأكاديمي بريطاني، يعمل في قسم الأدب الإنجليزي في جامعة لانكستر، قام بتأليف العديد من الكتب، منها: “النظرية الأدبية”، و”أوهام ما بعد الحداثة”، و”الرعب المقدس”، و”معنى الحياة”، و”مشكلات مع الغرباء”، و”فكرة الثقافة”، و”فلسفة الفكاهة”.
معلومات عن المترجم:
ماجد حامد: ترجم عددًا من الكتب، ومنها رواية “إجازة في بركة دماء”، لمؤلفها مايكل كونللي، وكتاب “نوڤاسين – عصر الذكاء الفائق القادم”، لمؤلفيه جايمس لوڤلوك وبراين آپليارد، ورواية “باسم الشعب”، لمؤلفها زو مايسن.