الفطرة والمبادئ الضرورية
الفطرة والمبادئ الضرورية
الإيمان بالله سبحانه وبوجوده هو أصل كل شيء في هذه الحياة، ومن دونه تختلُّ نظرة الإنسان إلى كثير من المبادئ العقلية والأخلاقية، ويُتنكَّر لكثير من المعاني الفطرية المغروسة في النفس، وبالنسبة للمؤمنين فهو أصل الأصول العقدية ومدخل الإقرار بالألوهية والربوبية، فهو الأساس والأرض الصلبة المشتركة التي يقف عليها المؤمنون جميعًا باختلاف أزمنتهم وأماكنهم.
إلا أن الخلاف وقع في منشأ هذا الإقرار بوجود الله من أين أتى؟ هل هو قضية حاضرة في النفس ابتداءً أم هي معرفة تحصيلية تتطلَّب نظرًا واستدلالًا كما يقول الكاتب؟
سيقودنا الوحي وتفسيرات السلف للقول بفطرية هذه المعرفة كغيرها من المعارف الضرورية العقلية ولا يعني هذا أنها حاصلة في النفس منذ لحظة الولادة، وإنما هي قوة مودعة تقوى وتظهر متى ما توفَّرت لها البيئة الصالحة لظهورها وتنتفي بانتفائها أو بظهور الموانع التي تمنعها، وأما النظر والاستدلال فقد يُلجأ إليه في حال تشوُّه الفطر وتأثُّرها بشبهات أو شهوات تنحرف بها عن مسارها الأصلي وليس واجبًا كما يُظَن أو يُعتقَد على كل أحد أو على كل مكلِّف أن يسلك مسلك النظر والاستدلال لأن هذه المعرفة فطرية حاصلة في النفس أصلًا.
ودلالة الفطرة على الله سبحانه لا تتأتَّى فقط من تلك القوة المودَعة في النفس، وإنما يمكن أن تكشف لنا الفطرة عن هذا المعنى من عدة مستويات كدلالة المبادئ العقلية الأولية مثلًا، والمقصود بها البدهيات العقلية والمعقولات التي يعرفها الإنسان من نفسه ابتداءً بغير الحاجة إلى النظر والاستدلال، وهي تختلف عما يمكن إدراكه والاستدلال عليه، إذ إن الأولى يجد الإنسان تجاهها من نفسه مقاومة شديدة للتشكيك فيها فهي مستغنية تمامًا عن البرهنة والتدليل، وإنما تُرد العلوم المحتاجة للبرهنة إليها أصلًا.
ولنتخيَّل مثلًا ماذا سيحدث إن كانت تلك المبادئ العقلية الأولية ليست شيئًا مستودعًا في النفس، بل هي كمثلها مما يردُّ إلى علوم أخرى نظرًا واستدلالًا ثم تلك العلوم ترد إلى مثلها، وهكذا فلن ينتهي هذا التسلسل إلى حد يحصل به العلم ابتداءً في نفس الإنسان الذي هو كائن أصلًا بعد أن لم يكن، فلزم أن يكون في قلبه علمٌ ابتدائيٌّ تنتهي إليه كل العلوم، ومحاولة التدليل على مثل هذه العلوم الأولية والبدهيات أمر شاق وعسير للغاية، وقد تتعرَّض هذه الأوليات للوساوس والشكوك والإجابة عليها لا تكون ببرهان لأنه لا مجال فيها إلا للتسليم بوجودها هكذا كوجود الإنسان.
إن الإيمان بوجود هذه المعارف الأولية مستلزم للإيمان بوجود مودع لها، فهي دالة على وجود الله سبحانه.
الفكرة من كتاب شموع النهار
وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل
وهل يحتاج النهار إلى دليل! وأي دليل هو أوضح من ضوء النهار المضيء لكل شيء آخر من حوله!
ولله المثل الأعلى، فإن محاولة إثبات وجود الله (سبحانه وتعالى)، وتطلُّب الدليل على ذلك بمثابة محاولة إيقاد شمعة في النهار كما يقول الكاتب، ومع ذلك فإنه يأخذنا في رحلة ماتعة في هذا الكتاب تزيد المؤمن يقينًا وتردُّ المرتاب إلى جادة الصواب، بتذكيره بمقتضيات الفطرة والعقل واستعراض أقوال المنحرفين في محاولة للتبصير ولإزالة الغشاوة.
مؤلف كتاب شموع النهار
عبد الله بن صالح العجيري: باحثٌ ومُفكِّر ومهندس سعودي، ويشغل منصب مدير مركز تكوين للدراسات والأبحاث، مهتمٌ بمنهج الفقه الإسلامي وبالمذاهب العقدية والفكرية، بدأ حبه للقراءة في سن مبكرة مع كتاب “صور من حياة الصحابة”.
حصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقبلها بكالوريوس هندسة حاسب آلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ومن أبرز مؤلفاته:
ينبوع الغواية الفكرية.
ميليشيا الإلحاد.
زخرف القول.
المنشقُّون.