الفطرة وأشياء أخرى
الفطرة وأشياء أخرى
من المعاني أو المستويات التي تكشفها لنا الفطرة أيضًا النزعة الأخلاقية المتأصِّلة في النفس، المطلقة المتجاوزة للوجود الإنساني والوجود المادي، والباقية سواء وجد الإنسان أو لم يوجد وسواء وجد الكون أم لا فهي باقية وستظل محافظة على قيمتها الموضوعية كما يخبرنا الكاتب.
هذه النزعة الأخلاقية من وجود الخير والشر المتفق عليه بين الأفراد والمجتمعات على مر العصور وباختلاف الثقافات فطرة متجذِّرة في النفوس لا يمكن تفسير وجودها بعيدًا عن الإيمان بوجود الله (عز وجل)، حيث إن الإيمان بوجود إله متصف بالكمال المطلق يساعد على استيعاب وجود قيم وكمالات مطلقة ووجود رؤية مطلقة يمكن التحاكم إليها، وكلما حاول الملاحدة الخروج من مأزق تفسير هذه النزعة الأخلاقية الفطرية وقعوا في التناقض!
ضرب الشيخ عبد الله العجيري هنا مثالًا لطيفًا: لو تصوَّرنا وجود أربعة أشخاص؛ اثنان منهم مؤمنان، غير أن واحدًا منهما ملتزم بالأخلاق الحسنة والآخر لا، وآخران ملحدان واحد منهما ملتزم أيضًا أخلاقيًّا والآخر على الضد، فإن المؤمن الخيِّر هو الوحيد المتسق مع رؤيته للكون بخلاف الملحد العدمي المتناقض بين ما يدعو إليه ويعتقده وبين ما يعتنقه من أخلاق حسنة!
من المستويات الفطرية أيضًا الجانب الغريزي الذي أودعه الله سبحانه في الأنعام وفي الأمهات بشكل ملحوظ، فكيف لنا أن نفسِّر كثيرًا من تصرُّفات الأمهات مثلًا تجاه أبنائها بعيدًا عن وجود تلك النزعة الفطرية! وإن كانت موجودة فلا بد من موجِد لها أصلًا، وكذلك في الحيوانات في حرصها على ما ينفعها ودفع ما يضرها.
من المعاني الفطرية أيضًا التي لا يستطيع الإنسان الانفكاك منها، ووجودها في نفسه دليل آخر على أن الله أوجدها وأودعها فيه هو معنى الغائية والهدف والمصير، وما إن اضطربت أو ضاعت الإجابة الصحيحة المرضية للنفس البشرية وجدت النفس مهربًا أو مخرجًا آخر تجيب به عن هذا التساؤل حتى وإن كان مزيفًا حتى لا تبقى خاوية فارغة من أي معنى غائي لأنها إن أسكتت بداخلها هذه التساؤلات فقد عطَّلت خاصية الإرادة والقصد المميزة للإنسان.
الشعور بالإرادة الحرة أيضًا من الجوانب الفطرية التي يستشعرها ويدركها الإنسان، فهو يميِّز بين ما يختاره، وبين ما يصدر عنه ومنه لا إراديًّا أو اضطرارًا، ووجود مثل هذا الشعور يحتاج إلى تفسير، وتقف النظرة المادية عاجزة أيضًا أمام هذا الجانب تتخبَّط بين التفسير العلمي تارة وبين الإنكار تارة وتأبى التسليم بأنه لا بد أن خالقًا حكيمًا قد أودعها في النفس الإنسانية.
الفكرة من كتاب شموع النهار
وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل
وهل يحتاج النهار إلى دليل! وأي دليل هو أوضح من ضوء النهار المضيء لكل شيء آخر من حوله!
ولله المثل الأعلى، فإن محاولة إثبات وجود الله (سبحانه وتعالى)، وتطلُّب الدليل على ذلك بمثابة محاولة إيقاد شمعة في النهار كما يقول الكاتب، ومع ذلك فإنه يأخذنا في رحلة ماتعة في هذا الكتاب تزيد المؤمن يقينًا وتردُّ المرتاب إلى جادة الصواب، بتذكيره بمقتضيات الفطرة والعقل واستعراض أقوال المنحرفين في محاولة للتبصير ولإزالة الغشاوة.
مؤلف كتاب شموع النهار
عبد الله بن صالح العجيري: باحثٌ ومُفكِّر ومهندس سعودي، ويشغل منصب مدير مركز تكوين للدراسات والأبحاث، مهتمٌ بمنهج الفقه الإسلامي وبالمذاهب العقدية والفكرية، بدأ حبه للقراءة في سن مبكرة مع كتاب “صور من حياة الصحابة”.
حصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقبلها بكالوريوس هندسة حاسب آلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ومن أبرز مؤلفاته:
ينبوع الغواية الفكرية.
ميليشيا الإلحاد.
زخرف القول.
المنشقُّون.