الفرق بين العلم والأيديولوجيا وعلاقة كل منهما بالآخر

الفرق بين العلم والأيديولوجيا وعلاقة كل منهما بالآخر
ما دامت الأفكار لا تنفصل عن التاريخ والتاريخ لا ينفصل عن المجتمع، فما المرجع الذي نستطيع أن نسند إليه أحكامنا؟ وهل نستطيع أن نقول إنه يوجد علم أو دراسة موضوعية نستطيع أن نتحاكم إليها على اختلاف بيئاتنا ومجتمعاتنا أم إن الأمر متعذر؟ وما علاقة العلم بالأيديولوجيا؟ إن كل نظرية حول الأيديولوجيا تستلزم نظرية حول العلم، لأن مفهوم الأيديولوجيا يتقصى دراسة الأسباب التي تمنع الذهن البشري من عكس مباشر للأشياء من حوله، فنرى أن وصف الأشياء أو الأحداث على وجهها الظاهري في ميدان التاريخ والاجتماع يقود إلى معرفة وصفية، تعطينا صورة مطابقة للمجتمع، وتدفعه للتحرك بتناسق وانتظام، وهذا لا ينشأ عنه العلم، وإنما ينشأ العلم بتجاوز تلك المعرفة الوصفية ونقدها والرجوع إلى أصولها وتولد عناصرها، ومن ثم فلا يعد العلم هو المعطى الأول والأيديولوجيا صورته المشوهة، بل تعد الأيديولوجيا هي الأولى لأنها وصفٌ لأحوال المجتمع، والعلم هو نقد تلك الأيديولوجيا بعد وضعها في إطارٍ تاريخي انطلاقًا من ضرورة توفير الوسائل المادية لاستمرار الإنسان ونموه.
إذًا لا تنفصل المعرفة عن سياق الأيديولوجيا، وهذا التعارض بين المعرفة الأيديولوجية والعلم الموضوعي يحصر المعرفة ضمن زمن معين يتعلق بزمن المعرفة ذاته، فنجد الماركسية عندما تحدد الأيديولوجيا فإنها تحدد في الوقت ذاته زمانها ومكانها، ولذا لا تنفصل نظرية التاريخ عن نظرية المعرفة والمجتمع، وتكون وظيفة المعرفة تقريب صورة الكون للذات المدركة، مما يأخذنا حتمًا إلى النظرية الجدلية. وهكذا يلاحظ من مجالات استعمال مفهوم الأيديولوجيا أنه دائمًا مفهوم مزدوج، فهو وصفي ونقدي في آن واحد؛ وصفي عندما يقدم الباحث على وصف أي مسألة وبيان ملابساتها بدقة ووفاء، ونقدي عندما يدرك الباحث أن هذه الرؤية التي وصف من خلالها لا يمكن أن تعكس الواقع على شكله الصحيح، فإذا حَكَمَ الباحث على أي مسألة في إطار الحق والباطل، فحريٌّ به ألا يستخدم لفظة أيديولوجيا، لأنه بذلك أفرغها من ظاهرتها النقدية، فصارت بلا قيمة، وأضحت كلمة لا مفهومة.
الفكرة من كتاب مفهوم الإيديولوجيا
ما من أحدٍ يطالع كتابًا يتحدث عن الثقافة والفكر إلا اعترضته لفظة “أيديولوجيا”، فما معنى هذا اللفظة؟ وما الذي تحويه من دلالة؟ ومتى ظهرت؟ وكيف تطورت؟ يرى العَرْوِي أن المفاهيم النظرية هي المدخل الأساسي لأي مراجعة معرفية، فاندفع لكتابة سلسلة المفاهيم التي منها هذا الكتاب، وكان أخصها مفهوم الأيديولوجيا، الذي يعد المدخل الأساسي للتعاطي مع أي منظومة فكرية معينة، أو سياق تاريخي لتيار أو مدرسة معرفية ما، فحاول العَرْوِي ترسيم دلالات مفهوم الأيديولوجيا ومجالاته ومراحل تطوره، وصيرورته التاريخية.
مؤلف كتاب مفهوم الإيديولوجيا
عبد الله العروي: مفكر وأديب وروائي مغربي، ولد في مدينة أزمور المغربية عام 1933م، تلقى تعليمه في العاصمة الرباط، ثم أكمل تعليمه العالي في جامعة السوربون في فرنسا عن أطروحته للدكتوراه التي حملت عنوان “الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية 1830-1912″، ثم عمل بعدها مدرسًا في كلية العلوم الإنسانية في جامعة محمد الخامس، أصدر عديدًا من المؤلفات، ومنها:
الإيديولوجيا العربية المعاصرة.
العرب والفكر التاريخي.
ثقافتنا في ضوء التاريخ.
مفهوم الحرية.
مفهوم الدولة.





