الفرض الكفائي.. الكم مع الكيف
الفرض الكفائي.. الكم مع الكيف
إن البعد الكمي حاضرٌ في تكاليف الشريعة وفي آيات القرآن، فما الفرض الكفائي إلا عدد كافٍ للقيام بمهمة ما في أمر أوجبته الشريعة واقتضته مصالح الدين، فإذا لم يكفوا هذه المهمة أثمت الأمة جميعًا.
ولا يقتصر الأمر على الإثم فإن للبعد الكمي حضوره في مسألة النصر والهزيمة، ففي سورة الأنفال يؤكد الله مسألة ثبات عدد معين بحد أدنى لتحقيق النصر والغلبة، وخطورة عدم وجود هذا العدد الذي ينظر إلى الأمور بهذه الطريقة فيقول: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ثم يضاعف الله العدد في الآية التي تليها لعلمه بأن فيهم ضعفًا يتطلَّب الزيادة، فالسنة سنة مجتمع كامل، والخطاب خطاب عام لا يشترط فيه تغيير ما بنفس شخص واحد فقط، بل حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ومن المشاكل التي قد يخلقها البعض ظنُّهم بأن استعمال العلم معناه نبذ الدين، وكأنهم يتمثَّلون قول القائل: لقد اكتشفنا أن الأرض تدور إذًا فالله غير موجود، ولا يستطيعون أن يدركوا أن الله هو الذي يودع في الأشياء قوانينها وهو الذي يحركها بإرادته الكونية، وهكذا في سنن الاجتماع والنفس، ولكن قد يظهر العلم أول ما يظهر في صورةٍ تُعارِض الإيمان، ولعلَّ ذلك بسبب منشأ هذه العلوم ومصدرها الأول الغربي الذي ظهر فيه العلم على أنقاض الحرب مع الدين ونبذه، فحين قدَّمت هذه العلوم إلينا وجدنا الفجوة الهائلة بينها وبين الدين مما استوجب سدها، فظهرت اتجاهات مختلفة في أسلمة المعارف، قد يكون بعضها سطحي لم تقدِّم استجابة ناجحة، والبعض اجتهد وأصاب، ولكن الجهد ما زال أقل بكثير من المطلوب في هذا الجانب، الذي يشهد بأن سنن الله في الآفاق والأنفس تشهد بأن الدين حق.
الفكرة من كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
في هذا الكتاب يبحث الكاتب القانون الإلهي “حتى يغيروا ما بأنفسهم” الذي ورد في سورتي الأنفال والرعد، ويعمل فكره ليكشف لنا ماهية سنة التغيير، وهل هي سنة تخصُّ المسلمين فقط؟ وكيف نصل إلى التغيير الاجتماعي المطلوب؟ وكيف نتحرَّر من أوهام الأفكار التي صنعناها وجعلناها مقدَّسة؟
فكما يقول مالك بن نبي في تقديمه للكتاب: “إن الكاتب يحاول تخليص القارئ من الحتمية التي يقيِّدها به القانون”، فمثلًا الجاذبية الأرضية قانون حتمي، ولكن كيف طار الإنسان!
إن القانون لا يعني استحالة مطلقة ولكنه تحدٍّ بحاجة إلى استجابة، وهكذا التاريخ والمجتمعات وفعل التغيير فيها، ففكرة تغيير النفوس تجعلنا نتجاوز سببية وحتمية توينبي أو هرم الدولة عند ابن خلدون.
مؤلف كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
جودت سعيد هو مفكِّر سوري من مواليد عام 1931م بقرية بئر عجلان في الجولان السورية، يعتبر امتدادًا لفكر مالك بن نبي ومحمد إقبال.
سافر إلى مصر ليتعلَّم بالأزهر الشريف أتمَّ الثانوية العامة هناك، ثم التحق بكلية اللغة العربية وتخرَّج فيها، والتقى مالك بن نبي في مصر وأعجب كثيرًا بأفكاره وتأثَّر بها.
يعدُّ جودت سعيد من دعاة اللاعنف في العالم الإسلامي، لدرجة أنه سُمِّي بغاندي العرب، يحاول أن ينطلق من القرآن في دراساته، ويدعو إلى إعمال العقل، وإلى بحث المشتركات الإنسانية.
من مؤلفاته: “مذهب ابن آدم الأول”، و”فقدان التوازن الاجتماعي”، و”حتى يغيِّروا ما بأنفسهم”، و”العمل قدرة وإرادة”، و”الإنسان حين يكون كلًّا وحين يكون عدلًا”، و”اقرأ باسم ربك الأكرم”، و”كن كابن آدم”، و”رياح التغيير”.