الفرح المذموم
الفرح المذموم
الفرح المذموم جاء في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، والقاعدة الأساسية التي يُبنى عليه هو فرح المسلم بمخالفته لأوامر الله (عز وجل)، والفرح بالباطل، وقال الله (عز وجل) في كتابه عن سبب عذابهم هو فرحهم بغير حق: ﴿ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ﴾، والمرح هنا هو الأشر والبطر، وهو فرح مذموم موجب للعقاب، وأيضًا الفرح بمعصية الله دون مخافته ومخافة عقابه، وظنه أنه لن يعود إلى الله (عز وجل) ويحاسبه على كل صغيرة وكبيرة، وقد قال الله (عز وجل) عنهم: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾، وقال المفسرون فيها: يعني في الدنيا، باتباع هواه وركوب شهوته ومخالفته أمر الله، وذلك يرجع أيضًا إلى غفلة الكافر لقاء الله والآخرة، فلا يهتمون بمعرفة ما أحله الله وما حرمه كي يفعلوا، بل يريد الغافل أن يرضي شهواته ونفسه ويتمتَّع بالدنيا دون قيود، وقد قال الله (عز وجل) عنهم: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾.
والفرح بالكفر هو أشد أنواع الفرح المذموم قُبحًا، وذلك لأن الكفر عكس الإيمان، وهو الجحود والنكران بنعم الله، ويكونون في الدنيا أشد حبًّا لها وتمسكًا بشهواتهم غافلين وجاحدين بآيات الله ولا يخافون عقابه، كما لا يهتمون باليوم الآخر، فيحل عليهم عذاب الله في الآخرة، وقد وصفهم الله (عز وجل) في كتابه قائلًا: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، قال قتادة: أي من أتى الكفر على اختيار واستحباب، ومن آثار هذا الفرح تماديهم في الظلم والطغيان، كما ينفرون حين يسمعون كلمات الحق والتوحيد، ويفرحون بكفر غيرهم ويسعون لكي يكفر غيرهم معهم، فهم يفعلون فعل الشيطان، والسخرية من المسلمين، ووصفهم الله (عز وجل): ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾.
الفكرة من كتاب الفرح في القرآن الكريم (دوافعه النفسية وآثاره السلوكية)
من أهم العلوم التي شغلت البشرية على مدار التاريخ القديم والمعاصر، هي معرفة طبيعة النفس البشرية، لكي يتم فهمها وتقويمها ولحماية الإنسان، وبخاصةٍ فهم الانفعالات البشرية من مشاعر مثل الحُزن والخوف والحُب والفرح، ولأن الإنسان يحيا حياته بتلك الانفعالات الكثيرة المتناقضة، ويقضي عُمره في البحث عن انفعال أساسي وهو (الفرح)، ويهرب من الحزن والهم، ولأنه في رحلة حياته بهذه الطريقة لا يعطي لأفراحه ولا أحزانه حجمها الطبيعي حتى تنعم حياته بتوازن طبيعي قد فطره الله عليه، فقد استند الكاتب هنا في كتابه عن مفهوم الفرح المحمود والمذموم في القرآن الكريم، ودوافعهما النفسية، وآثارهما السلوكية في حياة الإنسان.
مؤلف كتاب الفرح في القرآن الكريم (دوافعه النفسية وآثاره السلوكية)
يوسف علي حسن بدر: أستاذ في التفسير، وإمام وخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت.