الفارُوق عُمَر
الفارُوق عُمَر
كان عُمَر -رضي الله عنه وأرضاه- يحكُم بالعدل لا المُساواة، فهو يرى أن المُساواة المُطلقة قد تحمل ظُلمًا، أما العدل فليس كذلك، بل إن الله -عز وجل- حينما وزع المواريث وزعها بالعدل لا المُساواة، فللذكر مثل حظ الأُنثيين، والحكمة من ذلك أن الرجُل هو من يُنفِق على أهله، وهو من يدفع المهر للمرأة إن أراد أن يتزوجها، وكُل هذا ليس واجبًا على المرأة وإن كانت تمتلك المال الوفير.
فكان لسيدنا عُمر عديد من المواقف التي كان بها عادِلًا حُكمُه، فاصِلًا قولُه، فعندما فتح بيت المقدِس جاءته عجوز يهودية تشكو إليه الفقر والحاجة، فلها ابنٌ مريض، فأخذها عُمَر وفرض لها من بيت المال نفقة تكفيها وتكفي علاج ابنها، فإن الله -عز وجل- يقول: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾، وهذه العجوز من المساكين من أهل الكتاب، وأموال الصدقة تجوز لأهل الكتاب دون أموال الزكاة.
وعندما رأى “يَحْيَى المَكِّيّ” يُحادِث زوجه يومًا في الطريق، ما ظن أنها امرأته، فإذا به يضرِبهُ بالدِّرَّة، فقال له يحيى: “يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ظَلَمْتَنِي، هَذِهِ وَاللهِ امْرَأَتِي!”، فقال له: “فَهَلَّا كَلَّمْتَهَا خَلْفَ بَابٍ أَوْ سِتْرٍ؟”، فأخبره أنه لمّا لقيها أوقفها يسألها عن بعض أمرها، فأعطى له سيدنا عُمر الدِّرَّة وطلب منه أن يقتص، فأبى يحيى، فطلب منه أن يعفو عنه، فأبى أيضًا، فذهب إلى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- وطلب منه أن يقرأ عليه من سورة الأحزاب، فقرأ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾، فبكى سيدنا عُمر بُكاءً شديدًا، فبكى لبكائه يَحْيَى المَكِّيّ حتى قال: “أَغْفِرُهَا لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ”.
الفكرة من كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
“لَو كَانَ مِن بَعدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ”.. كيف لنا ألا نُصدِّق هذه العبارة في عُمر وقد قالها من لا ينطِقُ عن الهوى؟ قالها فيه رسول الله (ﷺ)، وكان من قبلها قد دعا: “اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَو بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ” فكان أحبُّهما إلى اللهِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وإذا بدعوةِ النبي (ﷺ) تنقلهُ من دارِ النَّدوة إلى دارِ الأَرْقَمِ!
لتبقى لنا سيرته خالِدة حتى اليوم دليلًا واقعيًّا يؤكِّد لنا ما قد يفعل الإيمان إذا نزل بقلبِ رَجُلٍ فَتَمَكَّن مِنهُ، فمن ذا الذي كان يُصدِّق أن الرجُل الذي يَصنَع من التمرِ صنمًا ليعبُده، هو نفسه الذي سيكون إسلامه فتحًا، وهجرته نصرًا، وخِلافتهُ رحمة؟ إننا هُنا بصددِ الحديثِ عن عُمَر، عُمَر هازِم كِسْرَى وقَيْصَر، ولكِنّه من قبل ذلك عُمَر صاحِب رسول الله (ﷺ)، وكفى بهذا شرفًا.
مؤلف كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
أدهم شرقاوي: كاتِبٌ فلسطيني الأصل، وُلِد ونشأ في مدينة “صور” في لبنان، حصل على دبلوم التربية الرياضية ودبلوم المُعلمين من الأونيسكو، وحصل على ماجستير في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية في بيروت، أُصدِر أول كتاب له عام 2012م، ثم تلاه عديد من المؤلفات، ومنها:
للرجال فقط! مبادئ للتعامل مع النساء.
أنتِ أيضًا صحابية.
رسائل من القرآن.