الفارق بين التملُّك والكينونة
الفارق بين التملُّك والكينونة
في الحضارة القائمة على أسلوب التملُّك نجد اختزال الإنسان فيما يملكه من أشياء، فالإنسان يساوي فقط مقدار ما يملك، وبالتالي يعتبر الإنسان لا شيء إذا كان لا يملك شيئًا، وعلى العكس من ذلك، فإن أسلوب الكينونة يكمن في عدم اشتهاء امتلاك الأشياء، حيث لا ينفع الإنسان أن يربح كل شيء مادي ويفقد نفسه، فالهدف من الحياة ليس العمل على امتلاك الأشياء، بل العمل على تحقيق الكينونة، فالفارق بين الكينونة والتملُّك عند فروم، هو: “الفارق بين مجتمع محوره الأساسي الناس، وآخر محوره الأساسي الأشياء”.
وضرب فروم مثالًا على مفهومي الكينونة والتملُّك، بالتعبيرات الشعرية الواردة عن اثنين من الشعراء، أحدهما الشاعر الإنجليزي “تينسون” في القرن التاسع عشر، إذ يقول: “يا زهرة في جدار متصدِّع، إني أنتزعك من بين الشقوق، وأقبض عليكِ، هنا في يدي بجذورك وكيانك كله”، والآخر هو الشاعر الياباني “باشو” في القرن السابع عشر، حيث يقول: “وإذ أنظر وأمعن النظر، أرى النازونا مزدهرة في سياج النباتات”؛ وبالنظر إلى التعبيرات الشعرية عند “تينسون” نجد أنها معبرة عن أسلوب “التملك” فردة فعله تجاه الزهرة هو الرغبة في امتلاكها واقتلاعها من جذورها وكيانها، بينما نجد ردة فعل “باشو” تجاه الزهرة تعبيرًا واضحًا عن أسلوب “الكينونة” فهو لا يمتنع عن قطفها وحسب، بل لا يمسُّها بيده، فلا يرغب في ملكيَّتها، وكل ما يفعله هو إمعان النظر فيها والتأمل في جمالها، مبتهجًا بها.
الفكرة من كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
المجتمع عند فروم يتصارعه نمطان للعيش في هذه الحياة، نمط يقوم على “التملك” حيث الاستهلاك والاكتناز والرغبة في الاستحواذ وامتلاك الأشياء، وكذلك الرغبة في الشهرة والسلطة التي تحقق السيطرة على الآخرين، هذا النمط الذي يجعل الإنسان (ناقص الإنسانية)، ونمط آخر هو نمط “الكينونة” والوجود حيث اهتمام الإنسان بعلاقته مع البشر والارتقاء أخلاقيًّا وروحيًّا لتحقيق (كمال الإنسانية)، ومجتمعاتنا المعاصرة يهيمن عليها نمط التملك، ما يعني أن هناك كارثة تحيق بالإنسان تدفعه نحو الهاوية نفسيًّا وبيئيًّا، وأن البديل الوحيد لتجنُّب الكارثة وعدم السقوط في الهاوية هو العيش وفق “نمط الكينونة”.
مؤلف كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
إريك فروم ، هو عالم نفس وفيلسوف وناقد اجتماعي ألماني، تعلم في جامعتي هيدلبرج وميونيخ، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة هيدلبرج عام 1922 في علم النفس، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، واشتغل في التدريس في الولايات المتحدة والمكسيك، له عدة مؤلفات، منها: “الإنسان بين الجوهر والمظهر”، و”الخوف من الحرية”، و”كينونة الإنسان”.