الفائدة والنقود والدولة
الفائدة والنقود والدولة
تتمحور فكرة الرأسمالية حول عمليات الادخار والإقراض على مبدأ معدَّل الفائدة الذي يشبه المايسترو في تنظيم العلاقة بين أصحاب الفائض المالي، وهم أصحاب الودائع المالية المدَّخرين لدى المؤسَّسات المالية، وأصحاب العجز المالي وهم المستثمرون أصحاب الأعمال، وعادةً ما يتم استخدام آلية معدلات أسعار الفائدة لضبط إيقاع الاقتصاد، وبخاصةٍ في أوقات الأزمات من تضخُّم وكساد حيث يعمل رفع أسعارها على سحب السيولة النقدية من الأسواق، ومن ثم تقليل القوى الشرائية المتاحة للأفراد فينخفض الطلب، مما يسبِّب تراجعًا للضغوط التضخُّمية في الاقتصاد، والعكس صحيح في حالة الركود أو الكساد الاقتصادي.
إلا أن ماركس ينظر بعين الشك إلى تلك الآلية فهو لا يميل كثيرًا لفكرة العرض والطلب بالنسبة إلى النقود، فهو لا يتصوَّر وجود فئتين مستقلَّتين في السوق المالي ويرى بدلًا من ذلك أن كمية النقود تتحدَّد بداهةً ضمن الأهداف الإنتاجية المطلوبة، وعلى ذلك أيضًا تتحدَّد الأسعار مستقبلًا، وعلى ذلك تتحدَّد الكتلة النقدية طبقًا لظروف لا علاقة لها بالعرض والطلب طبقًا للمفهوم الماركسي، فالدولة والبنوك وكذلك المؤسسات المالية المختلفة لا تمثِّل مصالح خاصة في مقابل مصالح فئة أخرى في أسواق المال، إنما تمثِّل الأداة الاجتماعية لتنظيم العلاقة بين المصالح المختلفة لضمان تدفُّق رؤوس الأموال بالشكل المطلوب طبقًا للظروف الإنتاجية المختلفة.
ومن هنا يهاجم ماركس ظاهرة الاقتصاد النقدي المقابل للاقتصاد الحقيقي، حيث أصبحت صكوك الملكية كما لو كانت سلعًا يتم التداول عليها مجاراة للأصول الاقتصادية الحقيقية، مما نتج عنه تراكم وهمي للثروة، ولذلك تجب إدارتها بالشكل الذي يدعم النمو الحقيقي للثروة وليس العكس، حتى لا تحدث ثمة اختلالات مالية تعرقل النمو وتتسبَّب في أزمات اقتصادية طاحنة تعصف بالبلاد، فالتوازنات الهيكلية وتقنين الدورة المالية ومنع التركز المالي أحد أهم المرتكزات لضمان العدالة الاجتماعية وتخفيف حدة الصراع الطبقي بين المجتمع.
الفكرة من كتاب قانون القيمة المعولَمة
يمكن القول إنه ليس هناك نظام واحد يمكن أن تنتهجه جميع الدول لصنع نهضتها، ففي الوقت الذي كانت الصين تنتهج النهج الاشتراكي لتبنِّي جذور نهضتها التي نلمسها اليوم بوصفها قوة اقتصادية عملاقة تحرِّك الكثير من عرائس الشمع السياسية في العالم نجد أنه على الجانب الآخر من العالم كانت الرأسمالية تبني أقوى قوة في العالم اليوم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك يعد هذا الكتاب من الدراسات المقارنة في الأدبيات الاقتصادية التنموية المعاصرة ربما نتمكَّن من خلاله انتقاء ملامح التنمية التي تتوافق مع معادلتنا الاجتماعية الخاصة.
مؤلف كتاب قانون القيمة المعولَمة
سمير أمين Samir Amin: مفكِّر واقتصادي مصري، وُلِد في 3 سبتمبر 1931، في محافظة بور سعيد، سافر إلى باريس حيث حصل على دبلوم في العلوم السياسية قبل أن يأخذ شهادة التخرُّج في الإحصاء والاقتصاد، ويعود إلى مصر حاملًا شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من السوربون، وعمل مستشارًا اقتصاديًّا في مالي وجمهورية الكونغو ومدغشقر وغيرها من الدول الأفريقية، كما عمل مديرًا لمعهد الأمم المتحدة للتخطيط الاقتصادى IDEP بداكار لعشر سنوات طوال السبعينيات، حيث تصدَّى لمقولات عديدة سائدة عن التنمية والتحديث وخطط المؤسسات المالية الدولية، وشارك في أثناء عمله هذا في تأسيس منظَّمات بحثية وعلمية أفريقية مثل المجلس الأفريقي لتنمية البحوث الاجتماعية والاقتصادية (كوديسريا) ومنتدى العالم الثالث، تُوفِّي في 12 أغسطس 2018.
من مؤلفاته: “دراسة في التيارات النقدية والمالية في مصر عام 1957″، و”البحر المتوسط في العالم المعاصر 1988″، و”من نقد الدولة السوفييتية إلى نقد الدولة الوطنية 1993″، و”في نقد الخطاب العربي الراهن 2009”.