الغزو الجديد
الغزو الجديد
كل الحروب تتكوَّن من طرفين مُسلَّحين بعدة أسلحة الهدف منها هزيمة الطرف المقابل، لكنَّ هناك نوعًا آخر من الحروب؛ أي الحروب الفكرية التي في ظاهرها تتبنَّى قضية ما لكن هدفها هو احتلال المجتمع سواء فكريًّا أو اقتصاديًّا أو عسكريًّا وهكذا، ومن وقت نزول الدين الإسلامي وهو في حروب شتى عليه لإخراج معتنقيه منه وتشتيتهم، وكان الغزو الصليبي هو أول المخطِّطين لهذا بغزو فكري جديد يستهدف ثلاث مراحل: الاستشراق ثم التبشير (التنصير) ثم الاستعمار، كما ذكر الكاتب، وأصعب أنواع الحروب هي الحروب بأهداف خفية، لذا مثلما يستعد الطرف الآخر وجب على الطرف المقابل دراسة خطته لإعداد العُدَّة بالمواجهة والتحصين لأصحاب الفكر القوي والضعيف بشكل خاص أيضًا، وأولى مراحل هذا الغزو كان الاستشراق -كما ذكر الكاتب- واندرج تحت هذا المصطلح المستشرقون، وهم علماء يدرسون التاريخ الشرقي والإسلامي ويتعلَّمون الإسلام واللغة العربية، وقد انقسموا إلى طرفين؛ طرف قال كلمة حق في الإسلام، وطرف آخر هدفه هدم الإسلام ليستعيد قومه الذين تركوا المسيحية واعتنقوا الإسلام، وقد ذكرهم الله (عز وجل) في كتابه وقال: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 109)، واستهدفوا البحث عن ثغرات الضعف في الإسلام ومهاجمة المسلمين بها ومنها كانت المرأة، وأن الإسلام يدعو لسيطرة الرجل على المرأة وحرمانها من المساواة به في الإرث والتعدُّد بالزواج ودورها كعاملة بالمجتمع، وغيرها من الشبهات التي لا أساس لها من الصحة، ولو عاد كل عاقل لوجد دليلًا أو ردًّا قويًّا صريحًا على كل شبهة، ولكن كان من المؤسف انسياق كثير من المسلمين وراء هذه الشبهات، بل أيضًا أصبحوا مُنصِّرين يدعون إلى ترك الإسلام واعتناق المسيحية، وقد قال المستشرق المعتدل بريستيد عن المستشرقين: “إن المستشرقين يريدون قتل حضارة الشرق عمدًا لأنهم يريدون إخفاء الحقيقة”.
الفكرة من كتاب الغزو الفكري وأثره على عقل وقلب المرأة المسلمة
فكر المجتمع ما هو إلا انعكاس عن الثقافة الغالبة لهذا المجتمع مُعبِّرًا عن مرجعيته التي اتخذها، لذا كان الغرب مستهدفًا كل مظهر حضاري أو ثقافي أو ديني، ثم الأفراد أنفسهم لهدم كل أساس فكري يعبر عن دينهم الإسلام في المجتمع الإسلامي، وأكثر ما ركَّز الغرب مجهوده تجاهه كانت المرأة وتحريرها حتى أصبح أشبه بالغزو الفكري والثقافي لها واحتلالها، وله تأثيرات أيضًا بمجالات أخرى، فقد ذكر اليهود في بروتوكولاتهم: “علينا أن نكسب المرأة، ففي أي يوم مدَّت إلينا يدها ربحنا القضية”.
مؤلف كتاب الغزو الفكري وأثره على عقل وقلب المرأة المسلمة
الدكتور رفعت محمد مرسي طاحون كاتب وباحث إسلامي، وله مؤلفات أخرى بارزة منها: “القوامة”، و”موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام”، و”عالم إسلامي بلا استبداد سياسي”.