الغريب البائس
الغريب البائس
يشعر كثيرون منا بأنهم غرباء مُحتلون، غرباء عن أنفسهم أو عمن حولهم، كأن هناك أحدًا بداخلهم يُزعجهم طوال الوقت، ما قد يسبب اضطرابًا جسديًّا ونفسيًّا، وقلقًا زائدًا، فالاغتراب حالة نفسية قد تشعر الفرد بعدم السيطرة على المشاعر كما يتوقع، وسُمي في علم النفس أيضًا بـ”قوة الأنا”، لكن هذا الشعور قد يدل أحيانًا على أن الإنسان في حالة طبيعية، وقد اكتشف فرويد أن نقطة الاغتراب أتت من نقطة اللاشعور التي هي خارج سيطرة الأنا، لذا يشعر الشخص كأن الأفكار والاندفاعات تتحكم فيه، وهذا يضعه أمام حقيقة أنه ليس المتحكم تمامًا في نفسه، وتبعد الإنسان عن أنه مركز الكون، لكن هل يشعر الإنسان طوال الوقت أنه غريب؟ لا؛ سيلاحظ ذلك من حين إلى آخر، كما أن الإنسان يستطيع أن يقوم بتمكين قوى الدفاع النفسي عن ذاته حتى يكمل حياته، ولذا أيضًا يبحث عن الهوية حتى تكون له ملجأً ليعيش في النور، فكلٌّ منا يصنع هويته بأن يضع لها عنوانًا، وهذه الهوية تعبِّر عن وعي الإنسان كما تصوغه، وهي ممتدة معه طوال حياته وتُشعره بالانتماء، وقد تكون الهوية تطلُّعية، أي في المستقبل أو مانحة لسلطة أو قوة، وقد تكون عبئًا أحيانًا حين تعبِّر عن عرقٍ ما، والذي لا يعد هوية هو الشيء الذي تسعى للحصول عليه، لذا يحيا الإنسان ساعيًا كي يجد طريقة ليُساير هذا العالم شديد التعقيد.
بجانب أن الإنسان يشعر بالغربة فإنه يشعر بالبؤس والحزن، ولأن المجتمع قائم على ترابط الأشخاص فيما بينهم، فقد أتت الفردانية في عصور ما بعد الحداثة لتكون آفة العصر، وشاع الاكتئاب والبؤس نتيجة لشيوع الأوبئة والموت والمرض والحروب، حتى أصبح هناك أشخاص لا يشاركون غيرهم، بل وينكرون وجودهم حتى لا يعانوا، وحاصر الإنسان اكتئابًا آخر تفاعليًّا نتيجة لأحداث سوداوية متتابعة له وتم وصفه بـ”السحابة السوداء أو الهاوية”، لأنه يقتل المشاعر، ويغلق الإنسان على نفسه، ويحيطه اليأس والحزن، ويحدث ذلك نتيجة التعرُّض لخسارة أشخاص أو لصدمة.
الفكرة من كتاب المشاعر
ما الفرق بين الحي والميت؟ وبين الإنسان والجماد؟ هل على الإنسان أن يسرد تفاصيل منطقية كبيرة كي يذكر الفرق بينه وبين أي (جماد) في العالم؟ الجماد -هذا الشيء- لا نهتم بإطعامه ولا بحزنه ولا حتى عما يفرحه ببساطة لأنه شيء، أي ليس له جسد وروح، والفارق المهم أنه ليس لديه مشاعر، فالإنسان البشري لديه جعبة كبيرة من المشاعر الإنسانية التي تفرِّقه عن بقية الأشياء في العالم، فالإنسان يفرح ويحزن ويجوع ويتألم ويريد ويمتنع، هذه المشاعر هي الفلسفة التي شغلت كثيرًا من علماء النفس حول ماهيتها، لذا في كتابنا هذا “المشاعر” يأخذنا فروش إلى فلسفته حول ماهية المشاعر، وبم نشعر، وكيف نشعر، وهل نحن بالفعل مُتصلون بمشاعرنا ونستطيع التعبير عنها؟
مؤلف كتاب المشاعر
ستيفن فروش: أستاذ علم النفس ورئيس قسم الدراسات النفسية والاجتماعية في جامعة بيركبيك بلندن، وعمل سابقًا استشاري علم نفس إكلينيكي، وهو مؤلف للعديد من الكتب والأوراق حول الدراسات النفسية والتحليل النفسي، بما في ذلك أحدثها “أولئك الذين سيأتون بعد: ما بعد الذاكرة”، و”الإقرار والتسامح”.
ولديه كتب عديدة، منها:
Critical Narrative Analysis in Psychology: A Guide to Practice
Hate and the ‘Jewish Science’: Anti-Semitism, Nazism and Psychoanalysis
معلومات عن المُترجم:
الدكتور عبد الله عسكر: أستاذ علم النفس والتحليل النفسي بكلية الآداب، جامعة الزقازيق، نشر أكثر من ثلاثين بحثًا في ميدان علم النفس الإكلينيكي والتحليل النفسي وأكثر من عشرة كتب متنوعة، وعمل استشاريًّا للصحة النفسية ورئيسًا لأقسام التأهيل بمستشفيات الأمل بالسعودية، وعضو لجنة علم النفس بالمجلس الأعلى للثقافة.