العيش على الحافة
العيش على الحافة
يقوم البعض بتشبيه أسلوب حياة الفقراء بذلك الخاص بالمستثمرين المضاربين بالأسهم، حيث إنهم يميلون إلى المخاطرة واتخاذ قرارات نتائجها ضخمة، الفارق هنا هو أن المستثمرين يخاطرون بدافع المغامرة وعندما لا يصيب الرهان فهم لا يخسرون كل شيء كذلك، أما الفقراء فإنهم يخوضون هذه التجارب من أجل النجاة بأنفسهم وعائلاتهم وهم معرَّضون لتحمل خسائر فادحة قد تكلفهم كل ما في سعتهم المادية، فمثلًا يمكن أن يتسبَّب مرض أحد أفراد الأسرة في استنزاف مواردها المالية وانحدارها إلى مزيد من الفقر، ولهذه الأسباب وغيرها كصِغَر حجم المكاسب التي يمكنهم الحصول عليها، فإن الفقراء يعيشون حياة تَحُفْها المخاطر ولا بد أن يتحصَّنوا باستراتيجيات وأدوات تمنحهم ضمانات يمكن الاعتماد عليها عندما تهب العاصفة، وهو أمر محتمل الحدوث جدًّا إذا كنت فقيرًا.
يبحث الكتاب عن الأسباب التي تجعل الفقراء لا يثقون بوسائل التأمين المتاحة عوضًا عن الطرق التقليدية لتجنُّب الكوارث مثل اكتساب مهارات متنوِّعة لتوفير المصادر الموفِّرة للمال، والتي على الرغم من قدرتها على المساعدة، فهي تمنع الشخص من التخصص والتقدم في مسار مهني ثابت في الحياة مما يحدُّ من قدرته على الخروج من الفقر، وكذلك فإن بعض هذه الطرق يأخذ شكلًا اجتماعيًّا متمثلًا في الزواج أو شبكات المساعدة التي يشارك فيها الأفراد بغرض مساعدة بعضهم بعضًا.
يرى الكتاب أن هذه الآليات الدفاعية رغم تمكُّنها من تقديم المساعدة أحيانًا فإنها لا تكفي لصد الأخطار الكبرى بنفس القدر الذي توفِّره شركات التأمين، لماذا إذًا لا يفضِّل الفقراء هذه الشركات؟ يُرجِع الكتاب ذلك إلى عدة أسباب منها أن شركات التأمين تفقد رصيدها من المصداقية في محاولاتها للتصدي للاحتيال وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، ولذلك فهي ليست محل ثقة لأغلب الناس، من الأسباب أيضًا التسويف الذي ذكرناه من قبل، فمن الصعب على الشخص أن يتخيَّل وقوع كارثة (وهو أمر ضد الطبيعة البشرية)، بل ويقوم بالتحضير لها مسبقًا، لهذه الأسباب يَعْزف الفقراء عن شركات التأمين وبسبب هذا العزوف إلى جانب الاحتمالات العالية الكوارث؛ تنسحب هذه الشركات من الأسواق المتاحة لهم والنتيجة تكون اختفاؤها كليًّا، يرى الكتاب أن الحل في هذه الحالة أن تقوم الحكومات بالتدخُّل لتنظيم العلاقة بين الطرفين عن طريق تقديم الدعم للفقراء نظرًا إلى الفائدة الكبيرة العائدة عليهم.
الفكرة من كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
بين تلك الصور النمطية ونظريات اليمين واليسار السياسي فيما يتعلق بسياسات محاربة الفقر، يقوم هذا الكتاب بمناقشة الوضع الحقيقي الذي يعيشه الفقراء في العالم، فمن خلال المعلومات والأدلة المستمدة من تجارب حقيقة وإحصائيات دقيقة، يحاول الكتاب أن يشرح الواقع من خلال تقديم نماذج أكثر تفصيلًا تصلح للدراسة المنهجية، واستنتاج الأسباب التي تدفع بالفقراء إلى اتخاذ قرارات وانتهاج سلوكيات تجعل الفرار من الفقر ورفع المستوى الاجتماعي شيئًا أقرب إلى المستحيل؛ ومن خلال هذا الفهم الشامل للمشكلة يمكننا أن نبادر بخطوات إيجابية لبناء عالم أفضل للجميع حتى ولو تطلَّب الأمر الكثير من الجهد والمحاولة.
مؤلف كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
أبهيجيت بانرجي وإستر دافلو: باحثان في الاقتصاد بجامعة MIT، وحاصلان على جائزة نوبل عام 2019 تقديرًا لجهودهما في تقديم حلول جديدة وعملية للمشاكل التي تواجه الفقراء في العالم، حيث قام الكاتبان بالمساعدة في إنشاء معمل “عبد اللطيف جميل” لمكافحة الفقر، والذي يختص بإجراء تجارب عشوائية مُحْكَمَة بهدف الحصول على معلومات ونشر أوراق بحثية تساعد على تقديم برامج قابلة للتنفيذ بالتعاون مع المنظمات المعنية بتقديم الدعم للفقراء، الحكومية والتطوُّعية.
قام الكاتبان بنشر كتاب آخر متعلق بنفس الموضوع هو “اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة”.
معلومات عن المترجم:
أنور الشامي: هو صاحب الترجمات “خرافة ريادة الأعمال”، و”شغف المغامرة”، و”البداية”.