العولمة مصنع الأرباح
العولمة مصنع الأرباح
لعل المتتبِّع للأحوال الاقتصادية في البلدان الصناعية المتقدِّمة يرى ثمة اختلافًا واضحًا بين الأحوال المعيشية للعمال وبين أرباح الشركات الكبرى خلال الأزمات، ففي حين ترتفع أرباح الشركات مستخدمة المصعد، تلهث أجور العاملين وراءها على السلم! ويكمن السر هنا في العولمة الاقتصادية التي مكَّنت تلك الشركات الكبرى من نقل هياكلها الإنتاجية خارج موطنها الأم بحثًا عن التكلفة المنخفضة لرفع ربحية الشركات، بالإضافة إلى تمتُّعها بالتمكُّن من مساومة العاملين على أجورهم مما يؤدِّي في النهاية إلى تشوُّهات في هياكل توزيع الدخول، وتعدُّ عملية نقل التصنيع تلك هي بعبع الدول الكبرى حيث تتسبَّب في خفض فرص العمل وانخفاض الناتج المحلي، فضلًا عن انخفاض الحصيلة الضريبية وما يتبعها من خفض إيرادات الموازنة العامَّة وزيادة العجز.
وعادةً ما يتم التلويح بعملية النقل- حتى وإن كانت غير ممكنة من الناحية العملية- تلك من جانب الشركات الكبرى في البلدان الصناعية الكبرى للضغط على حكوماتهم وابتزازهم من أجل خفض الأجور وتحمُّل نفقات التأمين والمعاشات بالنسبة إلى موظفيها، وكذلك لإسكات الأصوات المناوئة لتلك الشركات أو كسر شوكة العمال واضطرارهم إلى القَبول بمستويات أجور متدنية خوفًا من شبح البطالة، وعلى ذلك أدَّت كل تلك الضغوطات إلى التشوُّه الواضح في هيكل أرباح الشركات وأجور الموظفين، خصوصًا مع الظروف الاقتصادية الصعبة وتزايد معدَّلات البطالة بسبب الاتجاه إلى إحلال التكنولوجيا محل العمالة في المصانع، ولكن ليست تلك نهاية القصة، فعلى المدى الطويل ستبرز عدة عوامل تعمل على إعادة الأمور إلى نصابها من جديد من ذلك مثلًا ارتفاع تكلفة النقل في البلدان الأخرى وزيادة عرض العمل في البلدان المتقدمة، بيد أن كل تلك العوامل تستلزم وقتًا وفي تلك الأثناء ستصبح العولمة مصنعًا للأرباح.
الفكرة من كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
لم تسلم الرأسمالية منذ نشأتها على مدى تاريخها من النكبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، ومما صعَّب الأمر بروز قضية العولمة التي ربطت اقتصادات العالم بعضها ببعض، فإذا سعلت دولة بالمشرق أصابت نظيرتها بالزكام في المغرب، وليس أدل على ذلك من الواقع المعاصر وجائحة كوفيد 19 التي ما لبثت أن ظهرت في الصين حتى أصابت العالم أجمع بالشلل.
من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب، إذ يلقي الضوء على ظاهرة العولمة وما يرتبط بها من تحديات وأخطار مستترة قد تفضي على حسب رأي البعض إلى بدء العد التنازلي لانهيار الرأسمالية المعاصرة.
مؤلف كتاب الرأسمالية في طريقها لتدمير نفسها
باتريك آرتو: أستاذ بكلية الهندسة، وأستاذ مشارك في جامعة باريس – بانتيون السوربون، ومدير البحوث الاقتصادية لمجموعة صندوق التوفير/الودائع، من مؤلفاته: نظرية النمو والتذبذبات، والأوضاع الشاذة في الأسواق المالية، والاقتصاد الجديد.
ماري بول فيرار: رئيسة تحرير مجلة أنجي ليزكو، من أعمالها: قصة أرباب العمل الكبار.