العوامل القريبة في تشكيل عقلية الجماعات
العوامل القريبة في تشكيل عقلية الجماعات
إن كانت العوامل البعيدة بمثابة الباعث على نشأة الميول والأفكار لدى الجماعات، فالعوامل القريبة هي أقربها تأثيرًا في عملية تشكيل الأفكار والمعتقدات، فهي كالقالب الذي يساعد على إبراز الشكل النهائي للفكرة أو المعتقد.
وتتألَّف العوامل القريبة من عدة أشياء أولها القوالب الصورية واللفظية للمعاني، وبما أن الجماعات تجنح في طريق تفكيرها إلى التخيُّل فلذلك تتأثَّر بالقوالب الصورية عن اللفظية، وبما أن الصور غير متاحة في كل وقت، فالألفاظ بمساعدتها على انقداح الصورة في الذهن هي الأشد تأثيرًا، ومن هنا كان تأثير القائد المفوَّه في جماعته، فالألفاظ إنما هي قوالب المعاني الداخلية، فللكلمة سلطان لا ينازعها فيه غيرها، ولذلك قالوا إن من البيان لسحرًا، وهناك تأثير الأوهام في المعتقدات والأفكار، وهي أيضًا ترجع في حقيقتها إلى تغلُّب قوة التخيل أيضًا، فقد تنساق الجماعات وراء بعض الأفكار لما تحدثه في عقلها الباطن من بعض الوهم اليوتوبي، حتى وإن جهلت حقيقة تلك الأفكار.
ولما كانت الأوهام غير مأمونة العواقب فقد تنجرف إلى الإفراط وهي في طريقها للوصول إلى الحقيقة، لذا كانت التجارب بمثابة الرقيب الذي يوجِّه ويقرِّر صواب الوهم من خطئه، فالتجارب بمثابة سجل الخبرات الذي يستقي منه العقل نتائج أفكاره وعواقب اتجاهاته، وكلما كانت النتائج خارجة عن المألوف، كان تعلُّقها بالذهن أعمق، وأما العقل فغير ظاهر الأثر في توجيه الجماعات، فهي في اندفاعها تكون أقرب إلى الهمجية وتصديق الأوهام وربما الأباطيل شريطة أن تلامس أوتار مشاعرهم، فالجماعات إنما تحرِّكها العاطفة ولا تأبه كثيرًا لسلطان العقل، ولذلك كان أكثر القادة تأثيرًا أكثرهم ولوجًا لعاطفة أتباعه.
الفكرة من كتاب روح الاجتماع
إن الإنسان مدنِي بطبعه، فهو لا يستطيع العيش بمفرده، لذا يضطر إلى الانتظام في جماعات من أجل تأمين احتياجاته المادية والمعنوية على السواء، من هنا كانت الجماعات في حد ذاتها ضرورة..
يسلك الكاتب في هذا الكتاب مسلكًا يرتكز على القواعد العلمية، في دراسة أحوال الجماعات وسبر أغوارها، وكيف تتشكَّل نظرتها إلى الواقع المحيط، كما يدلف إلى قانونها النفسي والعوامل التي تحدِّد قالبها الفكري والشاعري.
مؤلف كتاب روح الاجتماع
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، يعدُّ من أشهر المؤرخين الغربيين الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، وُلد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، مما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم مؤلفاته:
حضارة العرب.
سيكولوجية الجماهير.
السنن النفسية لتطور الأمم.
روح الثورات والثورة الفرنسية.