العواصم والمدن
العواصم والمدن
يعقد المؤلف مقارنةً بين حالة مدن العالم الإسلامي وما وصلت إليه بعجائبها العمرانية، ومدن العالم الغربي الذي كان أسير البدائية والتخلُّف، وهذا بشهادة مؤرخيهم أنفسهم، حيث كانت إنجلترا في القرن السابع الميلادي إلى ما بعد العاشر فقيرة منقطعة الصلات بغير بلادها، متأخِّرة في الزراعة، وكانت البيوت في باريس ولندن ضيقة مبنية من الخشب والطين المعجون بالقش، ولم يكن فيها لا نوافذ تهوية ولا بسط يفرشونها سوى القش، حتى السرير كان كيسًا من القش فوقه كيس من الصوف، ولم يكونوا يعرفون النظافة ويلقون بقاذوراتهم أمام بيوتهم وكانت شوارعهم بلا بلاط أو مصابيح.
وإذا ما نظرنا إلى مدن العالم الإسلامي كبغداد ودمشق وقرطبة وغرناطة وإشبيلية فإننا نجدها أكثر تحضرًا ورقيًّا، فكانت قرطبة على سبيل المثال في العهد الأموي عاصمة الأندلس المسلمة منارة بالمصابيح، شوارعها مبلَّطة وقمامتها مرفوعة، محاطة بالحدائق فيها مدارس وقصور وحمامات، بلغت من الفخامة والأبهة ما يصيب بالذهول كل من يراها، وإذا ما انتقلنا إلى غرناطة تجلَّت لنا عظمة البناء وفن العمارة في قصر الحمراء الذي كان آية في الجمال ويدهش كل من يراه، وما كان في أشبيلية وحدها ستة آلاف نول للحرير، وكانت محاطة بأشجار الزيتون، ومن ثم كان فيها مائة ألف معصرة للزيت.
أما بغداد فقد كانت منارة للعلم والعلماء، حتى قيل إنه لم يكن لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها، وكثرة علمائها وأعلامها، وكثرة مساجدها وحماماتها ودورها وأسواقها، وطيب هوائها وعذوبة مائها، حتى حدثت بها الفتن وتتابعت على أهلها المحن فخرب عمرانها.
الفكرة من كتاب من روائع حضارتنا
في هذا الكتاب يعرض المؤلف نماذج رائعة، وصورًا مشرقة لبعض روائع حضارتنا الإسلامية، وما امتازت به عن سائر الحضارات قاطبة، فما أسباب تميُّزها وقيامها وكيف كانت أخلاقنا الحربية؟ كالرفق بالحيوان، والمؤسسات الخيرية، والمكتبات والصروح العلمية، والعواصم والمدن الكبرى، فلننظر ولنتأمَّل في هذه الروائع عسى أن يخطَّ الجيل الجديد من أبناء هذه الأمة صفحات مشرقة في التاريخ، وأن يبعث الله في هذه الأمة من يجدِّد لها دينها وحضارتها.
مؤلف كتاب من روائع حضارتنا
الشيخ الدكتور مصطفى حسني السباعي: ولد في مدينة حمص بسوريا عام 1915، وقد نشأ في أسرة علمية واشتهر والده وأجداده بالخطابة في جامع حمص، تأثر بوالده الشيخ حسني السباعي الذي كانت له مواقف معروفة ضد الاستعمار الفرنسي، درس في الأزهر بمصر عام 1933، من مؤلفاته: “السنة ومكانتها في التشريع”، و”اشتراكية الإسلام”، و”عظماؤنا في التاريخ”، وغيرها من الكتب التي تجمع بين إقناع العقل وإمتاع القلب.