العناصر النفسية لفكرة التدين
العناصر النفسية لفكرة التدين
تتميَّز فكرة الخضوع الديني باختصاصها بذات علوية قاهرة تتحكَّم في مقاليد الأشياء كمًّا وكيفًا، ويقف العبد من معبوده موقف الخاضع المختار بين الرغبة والرهبة موزعًا بين الشك واليقين، ومترقبًا بين الأمل والحذر، فهو متلمِّس لرضاه ومشفق من غضبه وسخطه، وهو في ذلك يختلف عن الخضوع الطبيعي المتعارف عليه بين الأجرام الكونية في اعتماد بعضها على معاش البعض الآخر، فليس فيه ثمة اختيار بخلاف الخضوع الديني، فالعبد قد يغير معبوده وقتما يشاء.
كما أن النفسية الدينية لا تخدعها مظاهر الكون بسبكها العجيب، فلا تنسب إليه قوة ذاتية أو بقاءً سرمديًّا لأنها تعلم أنه متغير حادث لا يقر له قرار كأمواج البحر المتتالية التي قد يتشابه بعضها مع بعض إلا أن كلًّا منها مختلفة عن أختها، بعكس نظرة الملحد الذي يرى في الطبيعة إلهًا خالدًا لا يتغير وضرورة ذاتية لا يجري عليها قانون الحوادث، فهو بين اطمئنان مخادع إلى استقرار نواميسها ويأس قاتل من تحوُّلها وانفصامها، وبعكس الإلحاد نجد أن الفلسفات الروحية تدفع ناحية إعمال الفكر والتأمل والحرية والاختيار، وهذه المبادئ من شأنها أن تمثل وقودًا لحركة العلوم والسعي نحو الكشف والتجديد، فكلما تكشَّفت أشياء جديدة للعقل البشري في أثناء بحثه ازداد يقينًا أن هذا الكون إنما هو صادر عن ذات صاحبة إرادة مختارة، فالطبيعة لا تملك خلق نفسها إذ كيف تصير فاعلًا ومفعولًا في الوقت ذاته!
ولما كانت تلك الذات العلوية الغيبية خارجة عن المألوف ولا تسري عليها أحكام الواقع المشاهَد اختصت العلوم الواقعية بالبحث عن نتائج تلك الذات لا عن ماهيتها، وما يصدر عنها في هذا الميدان الكوني وما يدور في فلكه من وقائع وأحداث، وهذا الفكر في حد ذاته هو ما يميز الإنسان عن مرتبة الحيوان، ولكن لا ينبغي أن يتم تحميل العقل البشري فوق طاقته بجعله يتسابق في غير ميدانه ومطالبته الإحاطة بأسرار ما وراء الطبيعة وهو لا يملك أدوات تمكِّنه من ذلك.
الفكرة من كتاب الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
يُطلق مصطلح “الدين” على معانٍ متعدِّدة غير أنها يمكن جمعها في نسق متقارب يدور حول معاني الملك والتصرف والعقيدة والخضوع والطاعة، فهي تدل أن ثمة علاقة بين طرفين أحدهما يخضع للآخر، فهي في حق الأول خضوع وانقياد وفي حق الثاني حُكمٌ وسلطان..
يعدُّ الكتاب إحدى الدراسات التي قام بها المؤلف في مجال تاريخ الأديان وعوامل نشأتها ودورها المجتمعي، كما عمل على تحليل الفكرة الدينية في حد ذاتها واستنباط عناصرها النفسية، وعلاقتها بالعلوم الحياتية، وفك الاشتباك الحاصل بين الدين من ناحية والفلسفة والأخلاق من ناحية أخرى.
مؤلف كتاب الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
محمد عبد الله دراز: مفكر وباحث إسلامي مصري كبير، وُلد في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ في عام ١٨٩٤م، وحصل على شهادة العالمية عام ١٩١٦م، ودَرَس فلسفة الأديان بفرنسا في «جامعة السوربون» ونال منها شهادة الدكتوراه، وعمل مدرسًا بمعهد الإسكندرية الأزهري، ثم محاضرًا في الكليات الأزهرية الناشئة، وقد وافته المنية في أثناء حضوره مؤتمر الأديان الكبير في «لاهور» الباكستانية سنة ١٩٥٨م، حيث توفي خلال إحدى جلسات المؤتمر.
له العديد من المؤلفات أبرزها:
النبأ العظيم.
الصوم تربية وجهاد.
نظرات جديدة في القرآن.
دستور الأخلاق في القرآن.