العناصر التاريخية
العناصر التاريخية
إذا كانت الفلسفة هي البحث عن ماهية الأشياء، فعلى ذلك تكون فلسفة التاريخ هي كنهه وماهيته، ولمعرفة ماهية الأشياء يتم تجزئتها إلى عناصرها الأولية البسيطة، فإذا كان التاريخ يُعبر عنه كوحدة موضوعية واحدة إلا أنه ينطوي على العديد من العناصر والأسباب التي شكلَّت وحدته هذه، فالقوى اللاشعورية الموروثة والمزاج النفسي للعرق البشري، إضافةً إلى العادات والتقاليد والأخلاق والقوانين وغيرها، تعد القماش الذي ينسج منه التاريخ لوحته الفنية، ولهذا كانت أرواح الأموات مكوِّنًا أساسيًّا لأرواح الأحياء، فكل حاضر إنما هو مُسيَّرٌ بماضيه.
وتعدُّ الأخلاق بمثابة الضامن الأساسي في بقاء الأمم وتمدُّدها عبر الزمان والمكان حتى لو كانت متدنية التحضر والتمدن، فهي تهذِّب سلوكها ومن ثمَّ تعصمها من أسباب التصدُّع والانهيار لا سيما أنها تمتاز بنوع من الاستقرار والثبات، ولا ننسى بالطبع الدور المحوري للذكاء ومخرجاته من اكتشافات العلوم في التشييد المادي للحضارات، والتي قد يُغيِّر أثرها بما يحدثه من امتلاك أسباب القوة مجرى التاريخ أحيانًا، ولعل إحدى المشكلات الحضارة المعاصرة عدم مسايرة النمو البطيء للأخلاق والمشاعر للنمو المتسارع للذكاء البشري، لا سيما في ظل خضوع الأخير لسلطان الأول.
وإذا تطرَّقنا إلى دور العقائد والديانات نجد أنها مثلَّت شفاءً لحيرة العقل البشري، إذ إنه في معاركه الفكرية مع الكون استعصت بعض الظواهر الغامضة على فهمه، فوجد في اختراع الآلهة علَّة لها نجاة لتيه حيرته، إلا أن الأمر تطوَّر إلى أن أضحت تلك الآلهة تسيطر على حياة الأمم قرونًا طويلة، ورغم عملية الإصلاح الديني الثورية التي أنهت عصور الظلام في أوروبا، فقد خفت نجم العقيدة لكنه لم ينتهِ كما يظن البعض، بل أخذ شكلًا آخر تمثَّل في نشأة أحزاب سياسية مختلفة تستند في مرجعيتها إلى مبادئ وأسس دينية، ولا تملك كل تلك العوامل السابقة شيئًا من التأثير في تاريخ الأمم إلا بعد أن تتحوَّل إلى عادات وأعراف لا قِبَل للعقل بها، فللعادات سلطان لا يقاوم.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
في الدائرة التاريخية نلاحظ تعاقب عدد من القوى النفسية ومصفوفات الأسباب ونتائجها المضطردة، مما يمكن القول معه إن هناك سننًا تاريخية تعمل عملها في تاريخ الشعوب والأمم، وتعدُّ فلسفة التاريخ هي العلم المنوط به أصالة الكشف عن تلك النواميس التاريخية والإجابة عن أسئلة من قبيل: لماذا تنتهي الحضارات؟ وكيف تمرض الشعوب؟ وما تجارب الصعود والهبوط للأمم وتعاقبها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التاريخية الكبرى التي يبحث فيها هذا الكتاب.في الدائرة التاريخية نلاحظ تعاقب عدد من القوى النفسية ومصفوفات الأسباب ونتائجها المضطردة، مما يمكن القول معه إن هناك سننًا تاريخية تعمل عملها في تاريخ الشعوب والأمم، وتعدُّ فلسفة التاريخ هي العلم المنوط به أصالة الكشف عن تلك النواميس التاريخية والإجابة عن أسئلة من قبيل: لماذا تنتهي الحضارات؟ وكيف تمرض الشعوب؟ وما تجارب الصعود والهبوط للأمم وتعاقبها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التاريخية الكبرى التي يبحث فيها هذا الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
غوستاف لوبون : طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، وقد درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي، وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثِّرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، مما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، تُوفِّي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من مؤلفاته: “حضارة العرب”، و”روح الثورات والثورة الفرنسية”، و”روح الجماعات”، و”السنن النفسية لتطور الأمم”، و”سيكولوجية الجماهير”.
معلومات عن المترجم:
عادل زعيتر: مترجم ومفكر فلسطيني، وُلد في مدينة نابلس الفلسطينية عام 1895م، تخرج في كلية الحقوق في باريس عام 1925، عمل محاميًّا لفترة ثم أصبح عضوًا بالمجمع العلمي العراقي، وله العديد من الترجمات المهمة لمؤلفين كبار أمثال جان جاك روسو، وفولتير، وغوستاف لوبون، وتوفي عام 1957م