العناصر الأولية للحياة
العناصر الأولية للحياة
في القرون القليلة الماضية حدثت ثورة مكَّنت العلماء من وصف أغلب الظواهر الطبيعية بلغة الرياضيات وإيجاد القوانين التي تفسرها بصورة دقيقة، وهو ما خلق حالة من التفاؤل بأن أي حدث فيزيائي يمكن التنبؤ بحالته القادمة إذا توافرت معلومات كافية عن حالته السابقة، ولكن هذا التفاؤل تَبَدَّدَ عندما توصل العالم “فيرنر هايزنبيرغ” إلى نظرية عدم التأكد التي تفترض أنه لا يمكن تحديد مكان وسرعة أي جسيم في نفس اللحظة، لأن قياس مكان الجسيم بدقة يتطلَّب أن يتم تَوْجِيَهَه بشعاع ضوء طوله الموجي صغير جدًّا، أي أن طاقته كبيرة جدًّا (العلاقة بين الطول الموجي والطاقة عكسية)، ونظرًا إلى الطبيعة المزدوجة للضوء والتي تسمح له أن يظهر كفوتونات مشحونة بالطاقة، فعند اصطدام هذه الفوتونات بالجسيم تتناثر مؤثرة بالمكان، ولكنها كذلك تُمْتَصْ بواسطة الجسيم وتُزِيد من طاقته التي تؤثر في سرعته بالتبعية، ما يجعل تحديد حالة الجسيم بصورة كاملة أمرًا مستحيلًا، فعلى سبيل المثال: لا يمكن معرفة موقع وسرعة الإلكترونات في الذرة في آن واحد، ولكن ميكانيكا الكم تمكننا من تحديد بعض المدارات المحتملة للإلكترونات في النواة من خلال حساب مجموع الموجات، من ناحية الحجم والطَّوْر، بين نقطتين فيما يعرف بـ”حاصل جمع التواريخ” sum over histories للعالم “ريتشارد فاينمان”، ويشير هذا المجموع إلى احتمالية وجود مسار بين هاتين النقطتين.
وفي ميكانيكا الكم كذلك يمكننا التعبير عن القوى الأساسية في الكون من خلال جسيمات صغيرة حاملة للطاقة تنتقل بين الأجسام مؤثرة في حالتها الفيزيائية، وتُوجَد أربع قوى رئيسة تنقسم إلى نوعين: القوية والضعيفة، فالقوية هي القوة الكهرومغناطيسية التي تنتقل من خلال الفوتونات، والقوى النووية القوية المسؤولة عن ربط البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة، أما القوى الضعيفة فهي القوى النووية الضعيفة المسؤولة عن النشاط الإشعاعي وكذلك قوى الجاذبية، ومع أن الجاذبية من أضعف القوى في الكون فإن تأثيرها يمكن أن يظهر لمسافات بعيدة على عكس القوى الكهرومغناطيسية التي يبدو تأثيرها في الأبعاد الصغيرة فقط، وفي عام 1967 تم تقديم نظرية لتوحيد القوى الكهرومغناطيسية والقوى النووية الضعيفة عن طريق توضيح أن الفوارق في الجسيمات الحاملة للطاقة تظهر فقط في السرعات الصغيرة بما يسمى بـ”كسر التناظر التلقائي” spontaneous symmetry breaking، أما في السرعات الكبيرة فإن هذه الجسيمات تبدو متماثلة وتتبع السلوك ذاته، وهو ما دفع العلماء إلى محاولة دمج القوى النووية القوية مع هاتين القوتين لتكون النظرية الموحَّدة الكبرى، ولكن هذه النظرية لا يمكنها التنبؤ بالثوابت الرياضية، ولا تشمل قوى الجاذبية أيضًا، وبالتالي فلا تصلح كنظرية موحدة.
الفكرة من كتاب تاريخ موجز للزمن
يتحدث ستيفن هوكينج في هذا الكتاب عن النظريات والتطورات الفيزيائية والرياضية التي شكَّلت مفهومنا عن العالم ونشأة الكون وكذلك التركيب الرئيس لأجزائه، والتي تم التوصُّل إلى أغلبها في القرون القليلة الماضية، ويبدأ الكتاب بتوضيح الأسس التي تميِّز النظريات العلمية عن غيرها، فالنظرية العلمية لا بد أن تُقَدِّم نموذجًا يفسر الظواهر الفيزيائية عن طريق مطابقة الشواهد العملية والتَنَبُّؤ بالكميات والمشاهدات المرتبطة بهذه الظواهر، وإذا فشلت النظرية في ذلك أو ظهرت أخرى أكثر منها دقة، فإنها تُتْرَك لعدم كفايتها، أما في حالة نجاحها فيُكتب لها النجاة مؤقتًا حتى توضع مجددًا تحت الاختبار.
مؤلف كتاب تاريخ موجز للزمن
ستيفن هوكينج: هو عالم الفيزياء النظرية، والرياضيات التطبيقية البارز بجامعة كامبريدج، وله أبحاث عديدة في علم الكون والعلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، ويشتهر هوكينج بين الأوساط العلمية بإسهاماته في تكوين نظريات عن التفرُّد الجذبوي the singularity، وإشعاعات الثقوب السوداء، وكذلك اهتمامه الكبير بمحاولة الوصول إلى نظرية موحَّدة لتفسير الظواهر الفيزيائية على كلٍّ من البعدين الكوني والذرِّي؛ لتُوَفِّق بذلك بين أهم ركائز الفيزياء الحديثة، النظرية النسبية وميكانيكا الكم.
معلومات عن المترجم:
مصطفى إبراهيم فهمي: مترجم مصري حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة القاهرة، والدكتوراه في الكيمياء الإكلينيكية من جامعة لندن، وشغل منصب عضو لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 1997، وله ترجمات عديدة في مجال العلوم منها: “الكون في قشرة جوز”، و”الجينوم – السيرة الذاتية للنوع البشري” وغيرها، كما أنه مُؤَلِّف لكتابين هما “قضايا علمية”، و”علوم القرن الحادي والعشرين”.