العلم من منظور الفلسفة الغربية
العلم من منظور الفلسفة الغربية
في الثقافة الغربية تسود الفكرة القائمة على التدرج الطبقي في كل مناحي الحياة تقريبًا، ما يعني أن بعض الأشياء تشغل مكانة أعلى من غيرها استنادًا إلى معايير تُولِي اهتمامًا كبيرًا لبعض الصفات مع إهمال أهمية الاختلاف والتنوع في تحقيق مبدأ التكامل.
وفي المجتمع العلمي فإن الصفات القائمة على عملية التفكير والتحليل والنظام تحتل قمة الهرم تاريخيًّا نتيجة لنجاحها الكبير في تفسير الظواهر الطبيعية والقضاء على الخرافات، بينما تحتل وظيفة الشعور مكانة منخفضة للغاية وتتبعها قوة الحدس والبديهة التي تمكننا من الوصول إلى معاني لا يمكن إدراكها بالمنطق وحده، وهذا الصفات وغيرها مثل العناية ترتبط ارتباطًا كبيرًا بالإناث، ومن ثم فقد شاعت فكرة عدم ملاءمة الدراسات العلمية للنساء في الماضي، على الرغم من وفرة النماذج النسائية التي قدمت إسهامات كبيرة في مختلف العلوم والرياضيات، وتفسر “ليندا” أن النساء في مجال البحث العلمي ينتهجون أساليب الرجال في التعلم ويحرصون على كبت طبيعتهن الأنثوية حتى لا تطالهن اتهامات بالتقصير أو عدم الكفاءة.
وتختلف تلك النظرة كليًّا في الثقافة الصينية؛ على سبيل المثال، ففي الأساطير الصينية القديمة لا توجد أفضلية لأحد العناصر على عنصر آخر، بل هما متصلان ومتكاملان، كرمزي ين ويانج اللذين يبدأ أحدهما عندما ينتهي الآخر ويحتوي كل منها على الآخر في داخله، إشارة إلى أن الطبيعة البشرية تمتلك جانبا ذكوريًّّا وآخر أنثويًّا بصورة متزامنة، وأن وجود الجانبين معًا شيء ضروري حتى ينمو الإنسان بصورة صحية ويحقق ذاته، ما يعنيه ذلك أن كلًّا منا يمتلك جزءًا طبيعيًّا وروحيًّا لا ندركه بحواسنا، على العكس من ذلك الجزء المادي الملموس ولكنه يمتلك نفس الأهمية، ما فعلته الحركة العلمية هو فصل هذين الجزأين بصورة كاملة فأصبحت المادة العلمية جامدة بلا روح أو شعور غير عابئة بالطبيعة، بل ترغب فقط في إخضاعها وتسخيرها للخدمة.
الفكرة من كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
لقرون عديدة اقتصر مجال البحث العلمي والاختراع على الرجال لأسباب اجتماعية وثقافية، ويمكن أن نرى بسهولة الهيمنة الكاملة للعنصر الذكوري في هذا المجال، ليس فقط لأن أغلب المساهمين في البحث العلمي رجال، بل لأن السمات التي تميز المجتمع العلمي وتصف طبيعة الحياة العلمية بشكل عام تحمل صفات ذكورية خالصة، نتيجة أن التهميش الذي طالما تعرضت له النساء بصورة فردية امتد ليشمل الجانب الأنثوي ككل، هذا الجانب يشمل كل العناصر والصفات البشرية التي يغلب عليها الطابع الأنثوي كالعاطفة والرغبة في الاتصال بالبيئة والنسبية في الأحكام، وبتجاهل هذه الصفات صار العلم مجالًا يتصف بالاختزال والموضوعية المطلقة معتمدًا بشكل كامل على جمع البيانات وتحليلها ثم استدلال النتائج.
هذه العملية المنهجية من ناحية أنتجت لنا التقدم الهائل والحياة المليئة بالرفاهية التي نعيشها اليوم، ومن ناحية أخرى تسببت في ظهور مشكلات بيئية وأزمات أخلاقية، وكذلك صناعة أسلحة فتاكة أودت بحياة الملايين، ولا يملك العلم القدرة على مواجهة هذا الجانب المظلم إذا ظل ملتزمًا بالحياد ولم يتحلَّ بالروح الإنسانية المطلوبة، التي تسعى لرؤية الصورة الكاملة وتضع الأمور في نصابها الصحيح وتصنع القرارات بمرونة وتفهم.
في صفحات هذا الكتاب نستعرض رؤية جديدة للعلوم متأثرة بالطبيعة والشخصية الإنسانية بناءً على نظريات “كارل يونج” عن الوعي ومحاور الشخصية للوعي Personality Axis، بالإضافة إلى نصائح عامة ونقد صريح لسلوكيات شديدة الضرر تنتشر في المجتمع العلمي كما تراها الكاتبة.
مؤلف كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
ليندا جين شيفرد: هي دكتورة وعالمة؛ حاصلة على البكالوريوس مع مرتبة الشرف في مجال الأحياء من جامعة مارسيل، ونالت درجة الدكتوراه في علم الكيمياء الحيوية بجامعة بنسلفانيا. دفعها شغفها الكبير بالطبيعة والكائنات الحية إلى العمل باحثة في هذه المجال، كما نشرت عشرات الأوراق العلمية، وهي تبدي كذلك اهتمامًا كبيرًا بعلم النفس والنظريات المتعلقة بأساليب عمل العقل الإنساني وعلاقتها بالأحلام وتشكيل اللا وعي، وهو ما جعلها تخصص بحث الدكتوراه الخاص بها عن آلية عمل التخدير، وذلك لارتباطه القوي بفكرة الوعي في الإنسان. حاز كتابها “أنثوية العلم” على جائزة الكتاب بولاية واشنطن لإسهامه في طرح أفكار لنموذج علمي أكثر شمولًا من سابقه، ولإعادة النظر في دور النساء الحالي في مختلف العلوم.
معلومات عن المترجمة:
يمنى طريف الخولي: أستاذ فلسفة العلوم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وهي حاصلة على الليسانس الممتازة بمرتبة الشرف من قسم الفلسفة، والماجستير في الفلسفة عن موضوع فلسفة العلوم عند “كارل بوبر”، وكذلك الدكتوراه بمرتبة الشرف عن موضوع مبدأ اللا حتمية في العلم المعاصر ومشكلة الحرية. أسهمت في إثراء الثقافة العلمية عن طريق نشر المقالات العلمية والترجمات المختلفة؛ ومنها “مفهوم المنهج العلمي” و”ركائز في فلسفة السياسة” و”فلسفة الكوانتم”.