العقل يؤيد الفطرة
العقل يؤيد الفطرة
ليست الفطرة وحدها دليلًا على الوجود الإلهي، ولكون هذا المعنى مهمًّا في حياة الإنسان فإن الله سبحانه نوَّع له من الدلائل ويسَّرها وجعلها قريبة واضحة متسقة مع النفس، فالعقل إلى جانب الفطرة له دور في تثبيت المعرفة الفطرية بالله سبحانه وفي التذكير بها حال ورود الشبهة أو الغفلة.
وباستقراء الوحي فإنه يبيِّن لنا أن الأدوات العقلية الواردة في الكتاب والسنة على قدر من اليسر والسهولة وموافقة للفطرة وطبائع النفوس، وأنها كثيرة ومتنوعة، وأن غالب الأساليب القرآنية التي تتحدث في هذه القضية إنما تقصد من وراء ذلك إثبات قضية أكبر وأوسع، فمثلًا إن سِيقت الآية للبرهنة على وحدانية الله فهي متضمِّنة البرهنة على الوجود بشكل أوَّلي، ثم إن الوحي يسعى في جملته بشكل عام إلى إنعاش المكوِّن الفطري في الإنسان والطرق عليه طرقات خفيفة متكررة متنوعة للتذكرة ومدافعة الشبه والتشوُّهات والوساوس الواردة عليه بأساليب متنوعة تناسب حالة الإنسان في كل زمان ومكان وتحت أي ظرف.
وبتحليل الدليل العقلي الدال على وجود الله سبحانه نجد أنه يقوم على مكونين أساسين كما يذكر الكاتب: المكون الأول هو المبادئ الفطرية الضرورية، وذلك باستناد الأدلة العقلية أصلًا على حقائق بدهية ضرورية، ويُختصَر هذا المكوِّن بقول الأعرابي: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج أفلا تدلُّ على اللطيف الخبير!
فيستحيل وجود أثر ناشئ من نفسه بغير أن يكون قد أحدثه مُحدث!
أما المكون الآخر فهو الملاحظة والحس، وعامة الموجودات من حولنا تقع على ثلاثة مستويات: منها ما يمكن تحصيل المعرفة به عن طريق الحس المباشر، وهو ما يعرف بالمحسوسات، ومنها ما هو موجود غير واقع تحت الحس المباشر ولكنَّ له آثارًا تُدرَك بالعقل وهو ما يعرف بالمعقولات، ومنها موجودات غير واقعة تحت الحس المباشر وليس للعقل مدخل في معرفتها لا بأثر لها ولا بقياسها على موجود آخر، وإنما تعرف من جهة الخبر وهي ما تعرف بالسمعيات، وبناء على هذا التقسيم فيمكن أن نرجع معرفتنا بالله سبحانه وإدراك ذلك إلى السمعيات أو المعقولات من خلال الخبر الصادق الذي وصلنا عن طريق الوحي، ومع هذا سيبقى لله سبحانه صفات وكمالات وذات لن ندركها بعقولنا القاصرة ولن نتوصَّل إليها في حياتنا هذه.
الفكرة من كتاب شموع النهار
وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل
وهل يحتاج النهار إلى دليل! وأي دليل هو أوضح من ضوء النهار المضيء لكل شيء آخر من حوله!
ولله المثل الأعلى، فإن محاولة إثبات وجود الله (سبحانه وتعالى)، وتطلُّب الدليل على ذلك بمثابة محاولة إيقاد شمعة في النهار كما يقول الكاتب، ومع ذلك فإنه يأخذنا في رحلة ماتعة في هذا الكتاب تزيد المؤمن يقينًا وتردُّ المرتاب إلى جادة الصواب، بتذكيره بمقتضيات الفطرة والعقل واستعراض أقوال المنحرفين في محاولة للتبصير ولإزالة الغشاوة.
مؤلف كتاب شموع النهار
عبد الله بن صالح العجيري: باحثٌ ومُفكِّر ومهندس سعودي، ويشغل منصب مدير مركز تكوين للدراسات والأبحاث، مهتمٌ بمنهج الفقه الإسلامي وبالمذاهب العقدية والفكرية، بدأ حبه للقراءة في سن مبكرة مع كتاب “صور من حياة الصحابة”.
حصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وقبلها بكالوريوس هندسة حاسب آلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ومن أبرز مؤلفاته:
ينبوع الغواية الفكرية.
ميليشيا الإلحاد.
زخرف القول.
المنشقُّون.