العقل والعقلانية
العقل والعقلانية
تعدَّدت مفاهيم العقل والعقلانية بشكلٍ عصي على الضبط والتحديد الدقيق، فالفيلسوف عندما يصف منهجه بأنه عقلاني، فمراده بذلك أن منهجه واستنتاجاته صحيحة على نحوٍ لا ريب فيه، بينما كان مدلول العقل عند اللاهوتيين المسيحيين في العصور الوسطى هو تبعية الأفكار للإنجيل، بينما مدلول العقلانية في عصر التنوير في أوروبا هو استبدال الفكر الفردي المستقل بالمرجعية الدينية، أما بالنسبة إلى مدلول العقل عند النفعيين أنصار المذهب النفعي الذي أسَّسه جيرمي بنتام فهو تحقيق السعادة وتقليل الألم، بينما المعاصرون من أنصار المذهب النسبي ينكرون وجود أية حقيقة مطلقة، وبالتالي دفعوا المؤمنين نحو خيارين، إما الإقرار بصحة كل الأديان، وإما رفض الحداثة.
وبناءً على ذلك، فعند الحديث عن العقل في الحضارة الإسلامية، لا بدَّ من تحديد أنماط العقل التي تتضمَّنها بعيدًا عن التحيُّز المسبق نحو مفهوم معين للعقل، حيث لا يصح أن يكون المعيار الذي يضبط به العقل الإسلامي تلك المفاهيم الغربية عن العقل، فالعقل في الإسلام هو عضد الوحي الإلهي وخليفته، فالوحي هو أعلى مصدر من مصادر الاحتجاج، وقد تم تفسيره بشكل عقلاني للغاية، فقد ظلَّت الشريعة الإسلامية تولي العناية اللازمة من جانب المسلمين للاعتقاد بأنها تتضمَّن حلولًا لكل حادثة تواجه الإنسان، وذلك حتى مطلع القرن التاسع عشر، حيث فرض المستعمرون الأوروبيون فجأة قوانينهم التي استبدلوها بالشريعة.
ونظرًا إلى أن المسلمين يعتقدون بأن الوحي يحتوي الحقيقة المطلقة، فقد نشأ عن ذلك عِلمان إسلاميان من فروع المعرفة: (علم الحديث) المعني بدراسة أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم) وأفعاله، و(علم أصول الفقه) المعني باستنباط الأحكام والتشريعات من القرآن وأحاديث النبي، فشكَّلَ هذان العِلمان “العقل المسلم”، وحُدَّدت العلاقة بين العقل والفكر طوال تاريخ الإسلام إلى الوقت الحاضر.
الفكرة من كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
يسلِّط جون والبريدج، من خلال كتابه هذا، الضوء على التراث الإسكولائي الإسلامي (التراث العقلي المدرسي في العصر الوسيط)، ليتبيَّن أن العقل كان له دور محوري ومركزي في الحياة الفكرية الإسلامية، ويرى أن هذا التراث جديرٌ بالتأمل والنظر، إذ إنه على مدى التاريخ الإسلامي تمَّت العناية به، بل ولا تزال المعاهد الدينية (كالأزهر الشريف في مصر، وقم في إيران، والنجف في العراق) إلى اليوم تولي هذا التراث الذي قام على التلمذة والتخصُّص وانطوى على آلاف من الأذكياء والنابهين العناية الكاملة والعكوف عليه.
كما يذهب جون إلى أن كلًّا من الأصوليين والحداثيين اتفقوا على معارضة هذا التراث الإسكولائي، مما ساعد على انهيار الحياة العقلية الإسلامية التي استمرت لقرون، وتم استبدالها أنماطًا من التفكير غاية في الضحالة والهوان، ورغم ذلك يرى أن هذا التراث الفكري الإسلامي الوسيط سيُبعث من جديد ليكون من الأعمدة التي يقوم عليها مستقبل الإسلام.
مؤلف كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
جون والبريدج John Walbridge: أستاذ لغات الشرق الأدنى وثقافاته في جامعة إنديانا، ألَّف تسعة كتب عن الإسلام والثقافة العربية، منها أربعة كتب في الفلسفة الإسلامية وحدها، تُرجم منها إلى العربية كتاب: “الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل”.