العصر الفكتوري.. تجنيد كرة القدم
العصر الفكتوري.. تجنيد كرة القدم
بالنظر إلى المبادئ التي ترعرعت عليها كرة القدم في إنجلترا، فلن يكون غريبًا أن تجد مكانًا مميزًا لها في جيش الإمبراطورية، فهذا هو المكان الذي يتطلب أعضاءً يتمتعون بلياقة بدنية وقدرة عالية على التحمل، ولما كانت كتيبة المهندسين الملكيين تتمتع بأعضاء من أعرق الجامعات البريطانية، وهو ما يعني بدوره تشبعهم بأفكار “المسيحية القوية” ومارسوا كرة القدم على مستوى تنافسي، فقد كانت أولى الكتائب وأكثرها تميزًا في اللعبة، وتُوجت جهودها بكأس الاتحاد عام 1875 م، ولما تمتعت اللعبة بكل هذه الشعبية بين كتائب الجيش تم إنشاء اتحاد كرة القدم لفرق الجيش لينظم دوري لهذه الفرق، وقد حظيت هذه المباريات اهتمامًا شعبيًّا كبيرًا بالفعل، ووازاها اهتمام أكبر من القادة والضباط للارتقاء بمستوى كرة القدم العسكرية.
لم تكن درة الجيش البريطاني بعيدة عن كل هذا الزخم، فقد انتقلت هذه الحمى إلى البحرية الملكية أيضًا ولكن في ظروف أُخرى، فمع الاتساع الهائل للإمبراطورية كانت بعض الوحدات تضطر غالبًا إلى الاستقرار في الموانئ الاستراتيجية بعيدًا عن الديار، وكانت أوقات الفراغ تلك تقضى في لعب مباريات كرة القدم، وكسابقيهم سرعان ما أصبحت كرة القدم هي اللعبة الأكثر شعبية في البحرية البريطانية، ما تطلب أيضًا إنشاء هيئة لتنظيم المباريات وهي اتحاد البحرية الملكية لكرة القدم، ولكن كان عصر السلام وأوقات الفراغ قد ولى من بريطانيا، وإلى غير رجعة.
جاءت الحرب العالمية الأولى لتتوقف أنشطة كرة القدم داخل الجيش بالكامل، ولتتبعها أيضًا كرة القدم المدنية بعد القليل من العناد، ولكن لم تتنح اللعبة من الساحة تمامًا، فقد انتقلت من الملاعب إلى خطابات القادة ودعوات التطوع للحرب، دعوات للجميع بلا استثناء وبخاصة لاعبي كرة القدم ذوي اللياقة البدنية والجسدية الممتازة، وجاء عيد الميلاد من عام 1914 م على النفوس المتعبة، ليتفق الجميع على هدنة ضمنية تلك الليلة، وما إن وجد الجنود الألمان والإنجليز سلامًا وقتيًّا حتى بدؤوا بترتيل أغاني عيد الميلاد، لتشهد الحرب حدثًا فريدًا وغريبًا لأقصى حد، إذ وضع الجنود المتحاربون أسلحتهم وتشاركوا في لعب مباراة كرة قدم.
الفكرة من كتاب الإمبريالية والهوية الثقافية وكرة القدم: كيف أنشأت الإمبراطورية البريطانية الرياضة الوطنية المصرية
نشأت كرة القدم في البداية وسيلة للحفاظ على اللياقة البدنية والمساعدة على الانخراط وسط الفريق واللعب الجماعي، كانت هذه الأفكار نابعة من حركة “المسيحية القوية” التي سيطرت على الكنائس والأوساط التعليمية داخل إنجلترا في بداية القرن التاسع عشر، أصبحت كرة القدم بعدها رمزًا بريطانيًّا ووسيلة لنشر ثقافتها، يشرح الكاتب كيف تأثر السكان الأصليون بهذه الرياضة تحت الاستعمار البريطاني، وكيف اتخذت أبعادًا أخرى سياسية بعد ذلك.
مؤلف كتاب الإمبريالية والهوية الثقافية وكرة القدم: كيف أنشأت الإمبراطورية البريطانية الرياضة الوطنية المصرية
كريستوفر فيرارو: باحث بقسم التاريخ في كلية الآداب جامعة سانت جون في نيويورك، حصل على الدكتوراه في هذه الأطروحة تحت إشراف الأستاذ الدكتور مايرسيو بوريرو، المتخصص في التاريخ الاجتماعي الرياضي، وقد استعان أيضًا بالدكتور كونراد تيششير المتخصص في التاريخ الإفريقي، وبالدكتورة نيرنا ريستمجي الباحثة في شؤون الشرق الأوسط ليخرج لنا هذا الكتاب.
عن المترجم:
وليد رشاد زكي: أستاذ مساعد في علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
له العديد من المؤلفات، منها:
المواطنة والتمكين في العصر الرقمي.
رأس المال الاجتماعي عبر المجتمع الافتراضي: مقومات البناء ومعوقات الإهدار.