العزلة والعصبية.. وثقافة الشتات
العزلة والعصبية.. وثقافة الشتات
ها هم العبرانيون قد لبثوا في دولتهم وانعزلوا، واستمرُّوا على عصبيتهم، وقد عُرفوا كذلك بأنهم يُحرِّمون بينهم ما يحلُّونه بينهم وبين غيرهم، فهم قومٌ يحرمون الربا بينهم لكن يحلونها للأجانب، كما جاء في سفر التثنية “للأجنبي تقرض الربا ولكن لأخيك لا تقرض برِبًا لكي يباركك الرب إلهك” وكأن ربه وإلهه هو إلهه فقط وليس إله الآخرين!
ويدعي العبريون أنهم أصحاب رسالة عالمية، وأن العبرية هي التي نهضت بأمانة تلك الرسالة ثم يقارنون بينها وبين حضارات الشرق في وادي النيل وفي وادي النهرين وفي الجزيرة العربية، لكن الكاتب يرى أن ذلك الادعاء هو فقدان للحياء بشكل صريح، فكيف يكون ذلك والعبريون أنفسهم يؤمنون بتلك العلاقة التي تجعل الإله يختص لنفسه شعبًا يختاره دون بقية الأمم، ألم نجد في كل سفر من أسفار هؤلاء العبريين ما يبيِّن كونهم قوم نفاق وضلال، فنرى ما يقوله عنهم أنبياؤهم في سفر الخروج: “إنه شعب ثقيل الإثم” ونجد أيضًا: أنه “شعب لا يفهم”.
إذًا فقد عرفت هؤلاء الأقوام العصبية وتبنَّتها، كما أنها أنكرت الحقوق الإنسانية على بقية الأمم أو كما يسمونها “الجوييم” وتعني الغرباء أو الدخلاء، ولما جاء السيد المسيح (عليه السلام) لدعوتهم أعرضوا عنه ورفضوه واتهموه، كما اشتهروا فترة كبيرة بإنكارهم على العبري أن يتناول الطعام مع غير العبريين، إذًا كيف لهؤلاء أن يحملون رسالةً عالمية لبني الإنسان؟!
وإذا انتقلنا من الثقافة الدينية إلى الثقافات الأدبية والفنية والفلسفية، نجد أن أولئك العبريين لم يصدروا للعالم أي إضافة في علوم الأدب والفنون والعلوم والفلسفة في أطوار حياتهم الثلاثة سواء في طور البداوة أو المملكة أو الشتات، وحتى إن وُجد بداخلهم فهم يستأثرونه لأنفسهم ولا يصدرونه لرفعة العالم الإنساني، فلطالما عُرف العبريون أنهم ما احتاجوا إلى أمة غيرهم إلا استغلالًا.
الفكرة من كتاب الثقافة العربية
إذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء، أو بمعنى أدق إلى الوراء كثيرًا، لوجدنا أن أقدم الثقافات في تاريخ البشرية ثلاث، وهي: الثقافة العربية، والثقافة اليونانية، والثقافة العبرية، والحق أن الثقافة العربية هي أقدمها، ورغم كون الأمر غريبًا بعض الشيء فإنه مُثبت بأدلة تاريخية واضحة، ويهتم هذا الكتاب بذكرها، ولكن ماذا إذا كانت قراءة تاريخ أمةٍ منذ بدايتها تجعلنا نعرف أشد نقاط ضعفها؟ وهذا يشمل حتى كونها أقوى الأمم في وقتنا الحالي، هنا يتعيَّن علينا استخدام قاعدة أن التاريخ دائمًا ما يُعيد نفسه ولو اختلفت أدواته.
مؤلف كتاب الثقافة العربية
عباس محمود العقاد (1989 – 1964): أديب ومفكر وشاعر مصري، وعضو سابق في مجلس النواب ومجمع اللغة العربية، ويُعد أحد عمالقة الأدب في مصر والعالم العربي، ويُعد من أهم كُتَّاب القرن العشرين في مصر، إذ عُرف بأنه رجل موسوعي المعرفة، حيث ألَّف العديد من الأعمال فاقت مئة كتاب في شتى المجالات، أشهرها:
– حياة قلم.
– سلسلة العبقريات.
– الفلسفة القرآنية.
– أثر العرب في الحضارة الأوروبية.