العزلة
دخل الدكتور البهي في عزلة بسبب إعلانه موقفه من الاشتراكية، فلم يعد يُطلب في المحاضرات ولا الندوات، لكنه كان سعيدًا بتلك العزلة وانقطاعه عن العالم الخارجي ليتمتع باستقرار أسرته، ويتفرغ للفكر والكتابة، فأنتج نتاجًا غزيرًا في تلك الفترة من الكتب الفكرية وشؤون الإسلام وتفسير القرآن.
وفي عام 1968 اتفق البهي مع دار “الفكر” للطباعة والنشر في بيروت، على نشر كتبه التي كانت قد صودرت في مصر، وتابع نشر كتبه من خلالها، ولما أصدر كتابه “تهافت الفكر المادي للتاريخ” عام 1970، نشطت ضده أمانة الدعوة والفكر الاشتراكي، وتلقى تهديدات، لكن البهي لم يخشَ ذلك، وقدَّر أنه حتى وإن قضى الأعوام القليلة الباقية له في السجن ليموت فيه، فإنه لم يكن ليأسف على الحياة في مصر على كل حال، وقد عايش فيها النفاق والزيف والفساد والتضييق والمشقة، بل كان مشفقًا على المسلمين في مصر، لعيشهم في ظل مصادرة حريتهم الشخصية، وأملاكهم الخاصة، وفي ظل القهر والإذلال.
وقد أسهمت عزلة دكتور البهي في جعله يرى صورة مصر من الخارج، والأحداث فيها، وفي الدول العربية والعالم الإسلامي، فرأى الضعف الذي ينخر في كيان الأزهر، وشيوخه وتصورهم لدوره، وحرصهم على المناصب، ورأى شيوخ السلطان المنافقين للحكام، ونفاق السياسة والسياسيين، وحديثهم بما لا يفعلون، وسعيهم للمال بأي وسيلة، ورأى أصحاب المهن الحرة وقد نسوا الله في معاملتهم، واستغلوا الضعفاء وحاجتهم، ورأى الخدمات العامة وهي تتحول إلى سلع تُباع وتشترى بالرشاوى، والشباب وقد فسدت تربيتهم وتمحوروا حول ذاتهم، وعامة الناس يلهثون وراء لقمة العيش، والعوز يعميهم عن رؤية أي شيء بما في ذلك الدين والخلق، فبتنا في جاهلية كمثل ما جاءت الرسالة المحمدية لتغيرها في النفوس.
الفكرة من كتاب حياتي في رحاب الأزهر.. طالب وأستاذ ووزير
يأخذنا هذا الكتاب في حياة عالم ومفكر ووزير، بدءًا من كُتَّاب قريته في مصر، إلى ألمانيا ثم العودة والتدريس، ثم توليه إدارة جامعة الأزهر ثم الوزارة وانتهاءً بالعزلة، عاصر الملكية، والحرب العالمية الثانية، وثورة 52 والتغيرات الكبيرة التي حدثت في مصر بعدها، حياة رجل عُرف بشدَّته لأنه لم يكن يحابي أحدًا، وتعرض للعزلة بسبب مواقفه من الشيوعية، وهُدِّد فلم يزده ذلك إلا ثباتًا وقوة في الحق.
مؤلف كتاب حياتي في رحاب الأزهر.. طالب وأستاذ ووزير
د. محمد البَهي: أستاذ جامعي ومفكر ومؤلف مصري، ووزير سابق، ولد عام 1905، تخرج في قسم البلاغة والأدب في الأزهر، حصل على الدكتوراه في الفلسفة وعلم النفس في ألمانيا، درَّس الفلسفة وعلم النفس في عدد من الجامعات المصرية، وكان أستاذًا زائرًا في عدد من الدول العربية والأجنبية، عُيِّن مديرًا لجامعة الأزهر، ثم وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر، وتوفي في العاشر من سبتمبر عام 1982.
له العديد من الكتب في الفلسفة الإسلامية، والعقيدة، والسلوك، والمجتمع والفكر الإسلامي، وتفسير القرآن الكريم، وقد قاربت مؤلفاته السبعين كتابًا ورسالة، من أبرزها:
الدين والدولة من توجيه القرآن الكريم.
الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي.
الإسلام في حل مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
طبقية المجتمع الأوروبي، وانعكاس آثارها على المجتمع الإسلامي المعاصر.