العربية بين المجاز والحقيقة
العربية بين المجاز والحقيقة
إنَّ المجاز هو أكبر أدوات التعبير في الشعر العربي، واللغة العربية لا تسمى بلغة المجاز لكثرة الاستعارات والكنايات فيها، بل لأنها تجاوزت بتعبيراتها المجازية حدود الصور المحسوسة إلى حدود المعاني المجردة، فإن صحَّ القول إن المجاز انتقل من الكتابة الهيروغليفية إلى الحروف الأبجدية؛ قرَّب ذلك المعنى القائل إن المجاز العربي يصور المعاني المجردة من وراء تصوير الأشباه والأشكال.
وعندما يسمع غير العربي “رأيت قمرًا على غصن على كثيب” يرتبك ويتحيَّر في استخراج الصورة من أطوار هذه التشبيهات لا يظفر منها برسم جميل فينفض يديه من البلاغة العربية، لكن العربي الفصيح يفهم الصورة على طريقته بترجمتها من صورتها الهيروغليفية إلى حروفها الأبجدية؛ فإشراق كإشراق القمر وخفة كالخفة التي يتمايل بها الغصن على جسم بضٍّ كالكثيب، فتتكون لديه صورة ذهنية بديعة مركبة تتلاقى فيها كل معاني الحسن والرقة والجمال.
وكان العرب مجددين على الدوام في إطلاق الكلمات القديمة على الصور الجديدة، وينبغي لنا أن نحذو حذوهم بشرط أن نصنع صنيعهم؛ فنجدِّد المعاني عن طريق المجاز بحيث لا يكاد السامع يفرق بين ما هو أصل قديم وما هو مجاز جديد.
إنَّ ضعف المجاز في اللغات الأوروبية ناتجٌ عن تباعد البَون بين حاضرها وحقبة بداوتها، وكذلك لانتقالهم بلغة حاضرهم من لغات قديمة بطل استعمالها وانقطعت فروعها عن أصولها، لذا تجد كثيرًا من المستشرقين ينكرون طبيعة البلاغة العربية لأنهم لا يفهمونها، فقد اشتغلوا بجانب الحفظ للآداب دون النظر إلى لبابها، فصاروا لا يحسنون الحكم على شعر أبناء جلدتهم، فكيف بشعر أهل غير لغاتهم؟
الفكرة من كتاب اللغة الشاعرة
تنفرد اللغة العربية بأنها لغة شاعرة، ليس لأنها صالحة لنظم الشعر فحسب، بل لأنها بُنيَت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية، فهي بذاتها في جملتها منظوم منسق الأوزان لا ينفك عنها بأي حال من الأحوال.
في كتاب “اللغة الشاعرة” يطالعنا العقاد على أهم خصائص اللغة العربية وما تمتاز به عن سائر لغات العالم، وثراء حروفها ومفرداتها الفصيحة الصريحة التي تحمل بداخلها موسيقى خفية.
مؤلف كتاب اللغة الشاعرة
عباس محمود العقاد: كاتب وشاعِر، وفيلسوف، ومؤرِّخ، وصحفي، كان على رأس حقبة خصبة من تاريخ الفكر العربي في القرن العشرين، وعضوًا في مجمع اللغة العربية، وأسس مدرسة الديوان الشعرية مع صاحبيه المازني وعبد الرحمن شكري، واشتهرت معاركه الأدبية مع كبار أدباء عصره أمثال الرافعي وطه حسين وأحمد شوقي ومصطفى جواد، وقد ولد بأسوان عام ١٨٨٩ وتوفي عام ١٩٦٤.
من أهم مؤلفاته:
سلسلة العبقريات.
ساعات بين الكتب.
أنا (سيرة ذاتية).
التفكير فريضة إسلامية.