العثور على مصدر الشائعة
العثور على مصدر الشائعة
أظهر «كافكا» الشائعات في صورتها الأشد عتمة، فأَصْلُها غير معلوم، وكذلك مضمونها ومحتواها؛ لم تَحْتَج إلى أن تُفسَّر أو تُعلَّل، فهي شائعة مجردة مُطلَقَة للوجه الآخر لـ«الآخر الكبير»، تُطلِق شرارة لا يمكن إيقافها، وكانت هنا شرارة المحاكمة، وإذا بالمحكمة القائمة على القانون، المبَشِّرة بالعقل والمنطق والحكمة، ووجه الآخر الكبير المحايد، خضعت للشائعات، وتَبِعَت ظل الآخر الكبير.
وقد ذُكِرَت الشائعة في الجملة الافتتاحية للرواية فقط، ولم تَرجِع إلى أصل المحاكمة، ولم توضح ماهية الشخص الذي افترى على يوزيف ك.، كما أن الرواية كُتِبت كلها من منظور يوزيف ك. باستثناء الجملة الافتتاحية، التي تفترض حياد الراوي، ولم يؤكد هل ارتكب يوزيف ك. الجرم أم لا؟ فألقى الحجر الأول في ماء الرواية ثم اختفى، فهل يمكن حل هذا اللغز ومعرفة شخص الرواي؟
لقد ذكر «جورجيو أجامبن | Giorgio Agamben» في دراسة له بعنوان «ك.» أن في المحاكمات الرومانية كان الافتراء عقبة كبيرة أمام تحقيق العدالة، وكان يُعاقَب من يفتري على غيره بوسم حرف «ك» على جبينه، الحرف الأول من الكلمة اللاتينية القديمة «Kalumniator»، أي مُفترٍ، ومن ثم افتَرَضَ أن حرف الكاف في اسم «يوزيف ك.» يشير إلى مفترٍ، ومن ثم كان «يوزيف ك.» مَنِ افترى على نفسه، وكان موته على يديه، وإن لم يتعمد ذلك.
الفكرة من كتاب فلسفة القيل والقال: عن الكذب والنميمة والشائعات والمسائل ذات الصلة
إن للشائعات أثرًا بالغًا لا يخفى على أحد، وهي ظاهرة ليست حديثة العهد بالمجتمعات الإنسانية، بل هي ظاهرة قديمة طرأت عليها تغيرات بتغير المجتمع وتقدمه، ولَمَّا كان الأدب وثيق الصلة بالإنسان وحياته، فقد تطرق الأدباء في أعمالهم لهذه الظاهرة، كما تناولها الفلاسفة بالوصف والتفسير، وكذلك التحليل النفسي، ولم يغفلوا عن «الكذبة البيضاء» وعلاقتها بالثقافة. والطرح التالي يتناول الشائعات والمسائل المرتبطة بها في شكل مراحل تاريخية عَبَّرَت عنها نماذج أدبية.
مؤلف كتاب فلسفة القيل والقال: عن الكذب والنميمة والشائعات والمسائل ذات الصلة
ملادن دولار: فيلسوف ومحلل نفسي سلوفيني، تخرج في جامعة ليوبليانا بعد دراسته اللغة الفرنسية والفلسفة، كما درس في جامعتي «باريس السابعة» و«وستمنستر»، وهو أحد مؤسسي جمعية التحليل النفسي النظري، يعمل في التدريس الأكاديمي وباحث استشاري في أكاديمية «جان فان إيك»، ونشر العديد من البحوث والمقالات العلمية والكتب، ومن أعماله:
A Voice and Nothing More
Opera’s Second Death
ألكينا زوبانجج: فيلسوفة سلوفينية معاصرة، من أعلام مدرسة لوبليانا للتحليل النفسي، وأستاذة في كلية «الدراسات العليا الأوربية» وفي جامعة «نوفا جوريكا»، كما تعمل مستشارة للبحوث، وأستاذة في معهد الفلسفة التابع للأكاديمية السلوفينية للعلوم والفنون. تخرجت في جامعة ليوبليانا بعد دراستها الفلسفة، كما حصلت على درجة الدكتوراه، وهي مُحِِّررة مشارِكة ورئيسة تحرير مجلة نظرية التحليل النفسي والفلسفة والدراسات الثقافية، ومن مؤلفاتها:
Let Them Rot: Antigone’s Parallax
The Odd One In: On Comedy
معلومات عن المترجم:
طارق عثمان: باحث ومترجم مصري، تتمركز اهتماماته حول الفلسفة المعاصرة والعلوم الاجتماعية، وخصوصًا علم النفس، نشر العديد من الدراسات والمقالات العلمية، ومن ترجماته:
حاوي الثورة المصرية: دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة.
ما هي الشريعة؟