العالم مختبر صغير
العالم مختبر صغير
في الماضي عندما كنا نريد معرفة الخيار الأفضل والأكثر ربحًا هو ألف أم باء، كان المتخصصون يقومون بتجربة اجتماعية إحصائية، يُبذل فيها كثير من المال والمجهود وقد تنتهي بنتائج خاطئة، أما في عصرنا الرقمي فيمكننا تجربة الخيارين ألف وباء على الإنترنت وعبر تفاعل الناس مع كليهما نحدد الأفضل، موفرين الوقت والمجهود والتكلفة، بجانب إمكانية تحديد العلاقة السببية بين متغيرين، فهل تزيد مبيعات الموقع إذا وضعنا صورة عائلية أم شخصًا بمفرده؟ كيف نفعل ذلك؟!
عبر إجراء تجربة رقمية عشوائية محكومة، نقسم فيها المستخدمين مجموعتين، إحداهما تتدخل على الصورة العائلية وأخرى على الصورة الفردية، كلا المجموعتين يخضعان للمؤثرات نفسها بالموقع، وعبر نتائج التفاعل نتخذ القرار، تتبع تلك السياسة كل المواقع والمنصات الرقمية الكبيرة.
فما النتيجة المتوقعة إذا صغنا موقعًا حسب تفضيلاتك؟ بالتأكيد إدمانه بقضاء أكبر وقت ممكن عليه، حتى لو كنت لم تستخدم الموقع أو التطبيق من قبل، فبمجرد دخولك، تبحث الخوارزميات عن أشخاص مشابهين لبياناتك وترشح تفضيلاتهم لك، ومع كل تلك القدرات المرعبة لا يمكننا التنبؤ بحركة الأسهم والأموال، فأدواتنا ما زالت عاجزة أمام مشكلة تعدد الأبعاد، أي تعرّض البيانات لكثير من المتغيرات التي يصعب ربط بعضها ببعض.
قد يعتقد البعض أن الحل يكمن في جمع المزيد والمزيد من البيانات عن كل شيء، وتلك مشكلة أخرى، فالهوس والتركيز على البيانات يبعدنا عن الغاية الأساسية، فيجب النظر إلى البيانات على أنها وسيلة لفهم المزيد عن العالم، وتظل الاستبيانات والدراسات المباشرة ضرورية لإكمال نواقص البيانات الضخمة، لهذا يسألك الفيسبوك كل فترة أن تملأ استبيانًا صغيرًا عن شيء ما.
الفكرة من كتاب الكل يكذب: البيانات الضخمة والبيانات الحديثة وقدرة الإنترنت على كشف الخفايا
“الخوارزميات تعرف عنك ما لا تعرفه عن نفسك”، عبارة قالها أحد علماء البيانات السابقين، فلماذا يَعتقد ذلك؟ يَعتقد ذلك بسبب أن الخوارزميات تتعامل مع كل البيانات التي ننتجها في أثناء تفاعلنا مع الإنترنت، كل موقع ندخله، وكل صورة نعجب بها، وحتى كل النقرات مسجلة، وعلى عكسنا، فالبيانات لا تستطيع الكذب وإخفاء الحقائق، فما تبحث عنه في جوجل وما تعجب به في فيسبوك يعبر عنك بشكل أكبر مما تعتقد.
مما يجعلنا نطرح الأسئلة الآتية، لماذا ازداد الاهتمام بالبيانات في عصرنا الرقمي؟ وإلى أي مدًى يمكن أن تكشف لنا خبايا أنفسنا؟ وما رأي بياناتنا في مشكلات العنصرية والكراهية والتحيز والعنف؟ وهل يمكن تخيل عالم يحكم على الأفراد بالكفاءة الوظيفية إذا كانوا يحبون البيتزا؟ سنغوص في أعماق الزوايا التي لم يبحث فيها أحد ونجيب عن تلك الأسئلة ونفهم المزيد عن عالمنا.
مؤلف كتاب الكل يكذب: البيانات الضخمة والبيانات الحديثة وقدرة الإنترنت على كشف الخفايا
سيث ستيفنز – دافيدوتس: عالم بيانات واقتصادي أمريكي ولد في سبتمبر عام 1982م، ألف عدة مقالات في نيويورك تايمز كما قدم بعض المحاضرات في جامعة بنسيلفينيا، حصل على البكالوريوس في الفلسفة من جامعة ستانفورد، ثم حصل على دكتوراه في الاقتصاد بجامعة هارفارد بعام 2013م، ألف كتابًا آخر بعنوان:
– لا تثق في حدسك: استخدام البيانات للحصول على ما تريده حقًّا في الحياة.
معلومات عن المترجم:
أحمد الأحمري: مترجم وكاتب سعودي الجنسية، يعمل عضوًا في هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود، وترجم كتاب:
– التطور الثقافي في العصر الرقمي.