العالم كما نراه
العالم كما نراه
منذ بداية التاريخ والإنسان ينظر إلى الأعلى في محاولة لفهم موقعه من الكون وإيجاد القوانين الفيزيائية التي تَحْكُم متغيرات الحياة، وانطلاقًا من إثبات كروية الأرض باستخدام علوم الرياضيات والظواهر الطبيعية مثل كسوف القمر، بدأ الإنسان بتكوين تصور عن العالم يتجاوز حدود رؤيته، وظهر أول نموذج كوني على يد “بطليموس” في القرن الثاني بعد الميلاد؛ واضعًا الأرض في محور الكون يدور حولها القمر والشمس والنجوم وخمسة كواكب هي: عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل، ومع أن هذا النموذج لم يكن دقيقًا، فقد كان كافيًا لتحديد مواقع الأجسام الكونية في السماء، وظل العمل به حتى أتى عالم الرياضيات “نيكولاس كوبرنيكوس” عام 1514 بنموذج آخر أكثر توافقًا مع الحسابات الرياضية للمدارات يفترض فيه أن الشمس هي المحور وتدور حولها الكواكب، كان هذا النموذج بحاجة إلى التعديل ليطابق المشاهدات، فمثلًا اقترح العالم “يوهانس كيبلر” أن المدارات حول الشمس تأخذ شكلًا بيضاويًّا وليس دائريًّا كما كان يُعْتَقَد، وعندما أصدر السير “إسحاق نيوتن” كتابه الشهير “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” الذي يعرض فيه قوانين الحركة الثلاثة وقانون الجاذبية الشهير (قوة الجاذبية تتناسب طرديًّا مع الكتلة وعكسيًّا مع مربع المسافة)، تمكَّن هذا النموذج من مطابقة المشاهدات العملية لحركة الأجسام، وكذلك حساب قوة الجاذبية التي تحكم هذه الحركة وحل محل سَابِقه في الأوساط العلمية.
من هذا النموذج ظهر مفهوم نسبية المكان الذي يشرحه هوكينج كالتالي: إذا قمت برمي كرة تنس إلى أعلى على متن قطار متحرِّك فإن موضع الكرة بالنسبة لك لا يتوافق مع موضعها بالنسبة لمراقب خارج القطار، على الرغم من أن الكرة تخضع لنفس قوانين الحركة في المشُاهَدَتَين، وفي بداية القرن العشرين ظهرت النظرية النسبية لتؤكد نسبية الزمان كذلك؛ ففي النسبية الثابت الوحيد هو سرعة الضوء، ولا يمكن لأي جسم أن يصل إلى تلك السرعة لأن ذلك يعني أن يحصل الجسم على طاقة لا نهائية، وكنتيجة لذلك كتلة لا نهائية تبعًا للمعادلة الشهيرة E=mc^2 حيث أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء، وفي تلك النظرية فإن أي حدث في الكون يمكن التعبير عنه بالتقاء المسار المخروطي الماضي للضوء الذي تمثِّله مسبِّبات الحدث، والمسار المخروطي المستقبلي للضوء (مُعَبِرًا عن نتائجه) عند نقطة الحدث في الزمان والمكان، ويفسر “أينشتاين” الجاذبية على أنها انحناء في أبعاد الزمكان وليست قوة عادية كما كان يُعْتَقَد سابقًا.
الفكرة من كتاب تاريخ موجز للزمن
يتحدث ستيفن هوكينج في هذا الكتاب عن النظريات والتطورات الفيزيائية والرياضية التي شكَّلت مفهومنا عن العالم ونشأة الكون وكذلك التركيب الرئيس لأجزائه، والتي تم التوصُّل إلى أغلبها في القرون القليلة الماضية، ويبدأ الكتاب بتوضيح الأسس التي تميِّز النظريات العلمية عن غيرها، فالنظرية العلمية لا بد أن تُقَدِّم نموذجًا يفسر الظواهر الفيزيائية عن طريق مطابقة الشواهد العملية والتَنَبُّؤ بالكميات والمشاهدات المرتبطة بهذه الظواهر، وإذا فشلت النظرية في ذلك أو ظهرت أخرى أكثر منها دقة، فإنها تُتْرَك لعدم كفايتها، أما في حالة نجاحها فيُكتب لها النجاة مؤقتًا حتى توضع مجددًا تحت الاختبار.
مؤلف كتاب تاريخ موجز للزمن
ستيفن هوكينج: هو عالم الفيزياء النظرية، والرياضيات التطبيقية البارز بجامعة كامبريدج، وله أبحاث عديدة في علم الكون والعلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، ويشتهر هوكينج بين الأوساط العلمية بإسهاماته في تكوين نظريات عن التفرُّد الجذبوي the singularity، وإشعاعات الثقوب السوداء، وكذلك اهتمامه الكبير بمحاولة الوصول إلى نظرية موحَّدة لتفسير الظواهر الفيزيائية على كلٍّ من البعدين الكوني والذرِّي؛ لتُوَفِّق بذلك بين أهم ركائز الفيزياء الحديثة، النظرية النسبية وميكانيكا الكم.
معلومات عن المترجم:
مصطفى إبراهيم فهمي: مترجم مصري حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة القاهرة، والدكتوراه في الكيمياء الإكلينيكية من جامعة لندن، وشغل منصب عضو لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 1997، وله ترجمات عديدة في مجال العلوم منها: “الكون في قشرة جوز”، و”الجينوم – السيرة الذاتية للنوع البشري” وغيرها، كما أنه مُؤَلِّف لكتابين هما “قضايا علمية”، و”علوم القرن الحادي والعشرين”.