العالم المترابط
العالم المترابط
إن الناظر إلى العالم بنظرة ساذجة ربما يُهيِّئ له لأول وهلة أنه يرى عشوائية تجمَّعت مصادفةً، وهذا ديدن من يقول بنظرية الانفجار العظيم، فهو يزعم أن الأرض تكوَّنت بكل أساليب الحياة هكذا مصادفة، ولكن مع التدقيق نجد أن ثمة خيطًا رفيعًا يربط بين الذرَّة وصولًا إلى المجرَّة، فالكون ليس فيه شيء مهما صغُر حجمه دون حكمة، وربما هذا ما اهتم به البحث العلمي لاستكشاف هذا الكون العجيب بين العصرين القديم والجديد، فنحن اليوم ورغم التقدم العلمي والمعرفي الهائل فقد ركَّزنا البحث على جزئيات مفردة بعينها نتيجةً للتخصُّص الشديد في الحقول العلمية، بخلاف الأوائل الذين انتهجوا نهجًا مغايرًا تمامًا يركِّز على هذا الخيط الدقيق الذي يربط بين الأشياء لا الأشياء نفسها، فأصبح الكون في نظرهم كعِقدٍ بديعٍ انتظمت اللآلئ فيه وفق نظام محكم.
وثمة اختلاف آخر بين المنهجين، وهو أن المعرفة بالشيء على نسق علماء العالم القديم لا تكتمل حتى تتم معرفة سبب نشأته القريب والبعيد وعلَّته الغائية بالإضافة إلى علَّة ظهوره على صورةٍ ما دون باقي الصور، مما يجعلها معرفة شاملة، فالشيء إذا تعدَّدت علاقاته تعدَّدت صوره وأشكاله، وعلى أثر ذلك يتغيَّر تعريفه، ومن هنا يتبيَّن أن في العالم القديم لم تكن هناك أي فواصل دقيقة بين العلوم بعضها وبعض، بل حتى بينها وبين اللاهوت، فالبحث في فلسفة السماء لم ينفك في تلك الفترة عن البحث في فلسفة الأرض، وعملية التعليم في القرون الوسطى لم تقتصر فقط على الفلسفة الطبيعية، بل ضمَّت إليها اللاهوت وفلسفة ما وراء الطبيعة، ولم تكن هناك حدود علمية فاصلة بين الإنسان والرب والطبيعة، إلا أن العلوم بدأت تأخذ صفة التخصُّص بحلول القرن التاسع عشر، وظهرت المناطق العازلة بين الحقول المعرفية المختلفة ففقدت العلوم بذلك بعضًا من ترابطها.
الفكرة من كتاب الثورة العلمية: مقدِّمة قصيرة جدًّا
لعلَّنا مدينون اليوم للتقدُّم العلمي في شتى ميادين الحياة المختلفة، حيث أصبحت المعرفة العلمية مكوِّنًا أساسيًّا في كثيرٍ من المنتجات الصناعية اليوم، ولكن تلك الثورة العلمية لم تحدث هكذا اتفاقًا! وإنما مرَّت بالعديد من المحطات المهمة التي تراكمت فيها شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى ما نشاهده اليوم، لذلك كان هذا الكتاب مرجعًا سهلًا للولوج إلى المحطات المختلفة للثورة العلمية، وصولًا إلى نشأة المجتمعات العلمية اليوم.
مؤلف كتاب الثورة العلمية: مقدِّمة قصيرة جدًّا
لورنس إم برينسيبيه Lawrence M. Principe: أستاذ علم الإنسانيات وكاتب أمريكي، وُلِدَ في الـ16 من مايو (أيار) عام 1962، حصل على درجتي بكالوريوس في جامعة ديلاوير (بكالوريوس دراسات ليبرالية، 1983؛ بكالوريوس في الكيمياء، 1983)، وعمل عقب تخرُّجه على مشاريع علمية في جامعة إنديانا (دكتوراه كيمياء عضوية، 1988)، وفي جامعة جونز هوبكنز (دكتوراه تاريخ العلم، 1996)، وهو الآن أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة جونز هوبكينز في قسم تاريخ العلوم والتكنولوجيا وقسم الكيمياء، ومدير مركز تشارلز سينجلتون لدراسة أوروبا الحديثة، وهو مركز متعدِّد التخصصات للأبحاث في جامعة جونز هوبكينز.
من مؤلفاته: “أسرار الكيمياء”، و”روايات جديدة في كيمياء القرن الثامن عشر”، و”الخبير الطموح: روبرت بويل وسعيه الكيميائي”.