العاطفة والإنصات
العاطفة والإنصات
عندما نفكر في العلماء، دائمًا ما تقفز إلى أذهاننا هذه الصورة النمطية التي أسهمت السينما في صناعتها على مدار السنين، وهي صورة ثابتة لشخص بلا مشاعر لا يحمل أي هم في الحياة سوى السعي خلف المعرفة، وفي سبيل تلك المعرفة فإنه لا يبالي أي طريق يسلك، وفي أغلب الأحيان لا يعبأ بالمجتمع ويتجاهل المبادئ الأخلاقية.
ترى الكاتبة أن شيوع هذه الشخصية في الوسط العلمي أدي إلى نشوء كوارث أخلاقية وإنسانية، لأن الفصل بين عملية التفكير والعاطفة وعدم ربط النتائج المترتبة على البحث العلمي بالمقدمات والأسباب التي تشجع على القيام به من الأساس يصنع رؤية أحادية ويتجاهل الطبيعة الكلية والمتصلة لعناصر البيئة، وهو كذلك يمنح الأولوية لبعض الأبحاث غير الضرورية التي قد تسبب أضرارًا حقيقية على حساب البعض الآخر، الذي قد يجلب نفعًا أو يصنع فارقًا إيجابيًّا، لغياب الدراسات الأولية اللازمة لتحديد جدوى المعرفة وأثرها في المجتمع والبيئة.
بينما يرى البعض أن التحقق من العنصر الأخلاقي وملاءمة البحث العلمي للمجتمع يقع في اختصاص الفلاسفة وعلماء الاجتماع وليس المجتمع العلمي، فالتنظيم ودراسة الأولويات مع اعتبار النتائج والعواقب المترتبة على المعرفة من الممكن أن يضيف فوائد عديدة؛ منها تشجيع البحث العلمي من أجل حب المعرفة والرغبة في التواصل مع الطبيعة لا التحكم بها، وهنا يمكننا الالتفات إلى ميزة الاستماع والتقبل، ترى الكاتبة أن هذه السمات تظهر بصورة طبيعية في الأنثى، ولكنها تحمل مكاسب عدة للباحثين عن المعرفة، إذ تمكنهم فضيلة الصبر والتأني في الدراسة من الوصول إلى استنتاجات أكثر وضوحًا وشمولًا مما يمكنهم الحصول عليه بالتدخل غير المطلوب في عمل الطبيعة وإجبارها على الإتيان بنتائج سريعة، بعض الأمور في العالم لا يمكن معرفتها عنوة، وإنما تتطلب قدرًا عاليًا من الإنصات والمراقبة حتى تفصح بأسرارها.
الفكرة من كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
لقرون عديدة اقتصر مجال البحث العلمي والاختراع على الرجال لأسباب اجتماعية وثقافية، ويمكن أن نرى بسهولة الهيمنة الكاملة للعنصر الذكوري في هذا المجال، ليس فقط لأن أغلب المساهمين في البحث العلمي رجال، بل لأن السمات التي تميز المجتمع العلمي وتصف طبيعة الحياة العلمية بشكل عام تحمل صفات ذكورية خالصة، نتيجة أن التهميش الذي طالما تعرضت له النساء بصورة فردية امتد ليشمل الجانب الأنثوي ككل، هذا الجانب يشمل كل العناصر والصفات البشرية التي يغلب عليها الطابع الأنثوي كالعاطفة والرغبة في الاتصال بالبيئة والنسبية في الأحكام، وبتجاهل هذه الصفات صار العلم مجالًا يتصف بالاختزال والموضوعية المطلقة معتمدًا بشكل كامل على جمع البيانات وتحليلها ثم استدلال النتائج.
هذه العملية المنهجية من ناحية أنتجت لنا التقدم الهائل والحياة المليئة بالرفاهية التي نعيشها اليوم، ومن ناحية أخرى تسببت في ظهور مشكلات بيئية وأزمات أخلاقية، وكذلك صناعة أسلحة فتاكة أودت بحياة الملايين، ولا يملك العلم القدرة على مواجهة هذا الجانب المظلم إذا ظل ملتزمًا بالحياد ولم يتحلَّ بالروح الإنسانية المطلوبة، التي تسعى لرؤية الصورة الكاملة وتضع الأمور في نصابها الصحيح وتصنع القرارات بمرونة وتفهم.
في صفحات هذا الكتاب نستعرض رؤية جديدة للعلوم متأثرة بالطبيعة والشخصية الإنسانية بناءً على نظريات “كارل يونج” عن الوعي ومحاور الشخصية للوعي Personality Axis، بالإضافة إلى نصائح عامة ونقد صريح لسلوكيات شديدة الضرر تنتشر في المجتمع العلمي كما تراها الكاتبة.
مؤلف كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
ليندا جين شيفرد: هي دكتورة وعالمة؛ حاصلة على البكالوريوس مع مرتبة الشرف في مجال الأحياء من جامعة مارسيل، ونالت درجة الدكتوراه في علم الكيمياء الحيوية بجامعة بنسلفانيا. دفعها شغفها الكبير بالطبيعة والكائنات الحية إلى العمل باحثة في هذه المجال، كما نشرت عشرات الأوراق العلمية، وهي تبدي كذلك اهتمامًا كبيرًا بعلم النفس والنظريات المتعلقة بأساليب عمل العقل الإنساني وعلاقتها بالأحلام وتشكيل اللا وعي، وهو ما جعلها تخصص بحث الدكتوراه الخاص بها عن آلية عمل التخدير، وذلك لارتباطه القوي بفكرة الوعي في الإنسان. حاز كتابها “أنثوية العلم” على جائزة الكتاب بولاية واشنطن لإسهامه في طرح أفكار لنموذج علمي أكثر شمولًا من سابقه، ولإعادة النظر في دور النساء الحالي في مختلف العلوم.
معلومات عن المترجمة:
يمنى طريف الخولي: أستاذ فلسفة العلوم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وهي حاصلة على الليسانس الممتازة بمرتبة الشرف من قسم الفلسفة، والماجستير في الفلسفة عن موضوع فلسفة العلوم عند “كارل بوبر”، وكذلك الدكتوراه بمرتبة الشرف عن موضوع مبدأ اللا حتمية في العلم المعاصر ومشكلة الحرية. أسهمت في إثراء الثقافة العلمية عن طريق نشر المقالات العلمية والترجمات المختلفة؛ ومنها “مفهوم المنهج العلمي” و”ركائز في فلسفة السياسة” و”فلسفة الكوانتم”.