العادل
كان عمر قوي الجسد، بالغ الطول من يراه يظنه راكبًا، ضخمًا، أصلع، خفيف العارضين، أعسر، ويعمل بكلتا يديه، وعلى الرغم من هول منظر جسده، فمصدر هيبته كان من قوَّة نفسه قبل أن يكون من قوة جسده، فقد كان بالغًا في القوة النفسية، وكان مفطورًا على العدل، فقد ورث القضاء من قبيلته وآبائه بني عدي الذين تولَّوا السفارة والتحكيم في الجاهلية، وكانوا قد ظُلِموا من قبيلة بني عبد شمس على الرغم من قوتهم، فاستقر في أنفسهم كره الظلم وحب العدل الذي مارسوه، وورث عمر أيضًا الاستقامة من أبيه الخطاب وجدِّه نفيل، وأمه حنتمة بنت هشام، فترعرع على عدم المحاباة، وعدم الخوف، والخجل من الميل إلى القوي، ومن الجور على الضعيف، هذه الأسباب أسهمت في خلق هذه الفضيلة في نفسه إلى جانب تمسُّكه بتعاليم الدين الإسلامي فيما بعد.
ولم يكن عمر مبالغًا في العدل إلى الدرجة التي تجعله يستمر في إقامة الحد على ابنه عبد الرحمن حتى يموت أو حتى يمرض كما ذكر بعض المُبالغين، فقد دخل عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة على عمرو بن العاص فقالوا له طهِّرنا فقد سكرنا، فحُلِقت رؤوسهم وأقيم عليهم الحد، وعندما سمع عمر أرسل إلى عمرو أن يبعث إليه عبد الرحمن، فبعثه وجلده عمر ثم أرسله إلى مصر مرة أخرى، وبحسب رواية أخيه عبد الله، ظل شهرًا صحيحًا، ثم أصابه بعدها المرض ومات، فظن الناس أنه مات من الجلد، واتهام عمر بجلد ابنه أثناء مرضه يوحي بأنه مفتقر إلى الرحمة وهذا غير صحيح، فقد كان يتريَّث في إقامة الحدود حتى ليؤثِّر تعطيلها في الشبهات، وكان يغضب من الولاة الذين يغالون في تقاضي الحدود، ويحثُّهم على الدعوة إلى التوبة، مثلما فعل مع رجل عرف أنه يتابع في الشراب، وفي أثناء إقامة الحد على شارب، طلب من الجلاد إقصاء عشرين جلدة بسبب شدته، فالرحمة وازنت العدل في نفس عمر، ولم يكن يلجأ إلى الصرامة والقسوة إلا في سبيل واجب.
الفكرة من كتاب عبقرية عمر
ما بين القاهرة والسودان ظل العقاد يجمع المصادر ليُهدينا هذا الكتاب الذي يدور حول صفات وأطوار شخصية تُعدُّ من أعظم الشخصيات الإسلامية، وهي شخصية الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وقد عرض له خاطره النقد لكنه شعر بالحرج، فكيف يُحاسِب رجلًا كان أشد حسابًا لنفسه، فبعد تمحيص من العقاد وجد أن كل موضع نُقِد فيه عمر كان له حُجَّة قوية وإن أخطأه الصواب، وقد ذكر بعضها في خلال هذا الكتاب، فهنا لن نتعمَّق في سيرة عمر بن الخطاب، بل في صفاته وثقافته، وفي أطواره، قبل الإسلام وبعد الإسلام، وأثناء الحكم، وفي علاقته بالنبي(صلى الله عليه وسلم)، وأصحابه وأهل بيته.
مؤلف كتاب عبقرية عمر
عباس محمود العقاد: أديب مصري، وشاعر، ومؤرخ، وفيلسوف، وسياسي وصحفي، وُلد بمدينة أسوان عام 1889، واكتفى بالحصول على الشهادة الابتدائية، لكنه ظل يعكف على الكتب ويثقِّف نفسه بنفسه حتى وصلت مكتبته إلى أكثر من ثلاثين ألف كتاب، وقد التحق بالعديد من الوظائف الحكومية ولكنه لم يظل طويلًا في أيٍّ منها، لأنه كان يرى الوظيفة الحكومية سجنًا لأدبه، فاتجه بعد ذلك إلى الصحافة حيث التحق بجريدة الدستور، وأصدر جريدة الضياء، وعمل في أشهر الصحف آنذاك، وقد دخل في معارك مع كبار الأدباء والشعراء، وشارك في تأسيس مدرسة الديوان، كما شارك في معترك الحياة السياسية، فانضم إلى حزب الوفد، وهاجم الملك فاروق أثناء إعداد الدستور، فسُجِن لمدة تسعة أشهر، تعدَّت كتبه المائة، وأشهرها:
سلسلة العبقريات.
أنا.
سارة.
وحي الأربعين.
كما قام أيضًا بتأليف عدَّة قصائد، منها:
أصداء الشارع.
الآمال.
العقل والجنون.