الظلام ينجلي.. القرية دائمًا تحفظ البذور
الظلام ينجلي.. القرية دائمًا تحفظ البذور
كان القرن الثامن عشر الميلادي للعالم الإسلامي بمثابة صدمة كبرى ومفترق طرق، وفيه رأى المسلمون أنفسهم في موقف غير معتاد، دون خلافة جامعة، وأصبح كل جزء منه تتخطَّفه الدول الكبرى، وتُقسِّم ميراث الإمبراطورية العثمانية بينها، وفي المشرق استقبل المصريون هذه الصدمة أولًا مع الاحتلال الفرنسي، الذي رأى فرصته المواتية في اقتطاع مصر من محيط الخلافة الضعيف والمترامي، ورأى المصريون أنفسهم أمام هذه الآلة الجبارة، لا يدرون كيف يواجهونها وهم متخلِّفون عنها بقرون، ونشأ في أنفسهم شعوران أقلهما العجز وأعظمهما فداحة الخسارة، فقد أدركوا ما ضيَّعوا، وتنبَّهوا إلى علومهم التي أفاد منها هؤلاء الغزاة، وها هم الآن قد جاؤوا إليهم بها، لكن لإخضاعهم هذه المرة.
شاء الله أن تكون هذه الحملة قصيرة الأمد ولكنها عظيمة التأثير في أهل البلاد، فقد رأى نخبتهم علماء الحملة وأخذوا عنهم بعضًا من علومهم، حتى يبدأ الصراع الحتمي بين القديم والجديد، بين هذه الطبقة التي أدركت أن هذه العلوم الجديدة إنما هي تفريعات من الأصول التي امتلكها المسلمون سابقًا، وأصحاب التيار القديم الذين يرونها بدعة وخطرًا على عقول الأمة.
في تلك الأثناء كانت القرية المصرية مكانًا يحفظ سكانه من الخسف والظلم في المدينة، لكن يبقيها بقدر مناسب مواكبةً للأحداث الكبرى حولها، فلم يتمكَّن الحكام في أي وقت من تمام السيطرة عليها، وذلك لطبيعة التكوين الاجتماعي في القرى ولسياسة المماليك للدولة حينها، فقد كانوا دائمًا بحاجة إلى كبار الإقطاعات، يستعينون بهم على أمراء آخرين، فنشأت طبقة وسيطة من هؤلاء الملاك من حاجة الأمراء إلى قوتهم، ما يعني عدم انفراد أولئك الأمراء بالرأي والسلطة، وقد نشأ الأستاذ الإمام في عصر يحمل هذه التراكمات، وفي قرية حافظة للأصول والنخوة، متوارية عن أنظار الحاكم ولكنها قريبة من واقعها، أفاق على مجتمع يتردَّد بين ماضيه وآتيه، فلم يجد أمامه إلا أن يخوض معهم في هذا الدرك.
الفكرة من كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
الأستاذ محمد عبده الإمام المُجدِّد والأديب المُصلح، هو من تلك الشخصيات التي تترك أثرها أينما ذهبت، وتصبغ زمنها بطبيعتها ولا يعود المجتمع بعدها كما كان قبلها، شاء الله أن يُعاصر الإمام محمد عبده عصر السياسة في تاريخ مصر الحديث، وأن يستشف الخفي منها في بواكير حياته، حتى ينفر منها كليةً، ويدخل إلى ميدان آخر سيشهد على أثره، ويؤدي فيه الإمام ما عليه لدينه ودنياه، هنا يركِّز الأستاذ العقاد بشدة على أحوال العصر الذي كان فيه الإمام، ليوضِّح العواقب التي اضطر إلى مجابهتها، والفارق الذي أحدثه فيه بحركته ونشاطه.
مؤلف كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
عباس محمود العقاد: وُلد في أسوان عام 1889 م، ونشأ في أسرة فقيرة، فلم يتعدَّ في تعليمه المرحلة الابتدائية، ولكنه اعتمد على ذكائه في تكوين ثقافة موسوعية، وتعلَّم اللغة الإنجليزية في طفولته من مخالطته الأجانب الزائرين لأسوان.
اشتغل بالسياسة في فترة من حياته، وانتُخِب كنائب للبرلمان ثم سجن تسعة أشهر بتهمة “العيب في الذات الملكية”، عُرِفَت عنه معاركه الأدبية مع كبار مفكري عصره مثل: الرافعي وطه حسين، وقد أسَّس مع عبدالقادر المازني وعبدالرحمن شكري “مدرسة الديوان” الشعرية.
للعقاد العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية نذكر أهمها:
سلسلة العبقريات.
كتاب “ساعات بين الكتب”.
كتاب “التفكير فريضة إسلامية”.
ديوان “أعاصير مغرب”.
ديوان “عابر سبيل”.