الظروف التاريخية والدوافع
الظروف التاريخية والدوافع
كانت أوروبا عشية الحرب الصليبية ترزح تحت أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية خانقة، مثَّلت معها الحربُ المنفذ الوحيد للخروج منها، إلا أن القرن الحادي عشر يمثِّل في تاريخ العصور الوسطى بداية مرحلة الازدهار النسبي الذي سيمتدُّ قرابة ثلاثة قرون؛ حيث ظهر في تلك الفترة العديد من القادة الطموحين والآباء الإصلاحيين، وكان الجميع يسعى إلى كسر هذا الطوق الخانق الذي يحيط بهم.
تُعدُّ الحرب الصليبية أول حرب تخوضها أوروبا مجتمعةً تحت راية أيديولوجية واحدة، إلا أننا في الوقت نفسه نجد تحت هذه الراية أهدافًا أخرى فرعية لكل من رمى بسهم في هذه الحرب، ونستطيع تلمُّسَ الصراعات السياسية الدائرة بين المَلَكية والبابوية والإقطاع؛ فالكنيسة التي تملك أكثر الأراضي الأوروبية وتتحكَّم في موارد بشرية ومادية ضخمة، تسعى إلى السيادة المطلقة على العالم المسيحي.
نجد الوضع من الناحية الاجتماعية والاقتصادية أشدَّ تعقيدًا، حيث امتهن غالبية السكان الزراعة والرعي في أراضي الكنيسة أو الإقطاعيين، ومِن ثَمَّ فقد كان الفلاحون يعانون ظروفًا قاسية لأن كل الإنتاج الزراعي يصبُّ في النهاية عند الطبقات العليا؛ فلمَّا جاءت الدعوة إلى الحرب وجدوا فيها منفذًا للهروب من هذا الوضع المأزوم، مع الأخذ في الاعتبار أن انضمام العامة الكثيف إلى الحرب لم يكن ضمن مخططات الكنيسة التي كانت تستهدف بالدرجة الأولى طبقة الفرسان والنبلاء، وفشلت كل محاولات الكنيسة في ثني الفلاحين عن اللحاق بالحملات الصليبية.
كانت طبقة الفرسان تتملَّك الأراضي الزراعية، وكانت القيم السائدة بينهم آنذاك هي البسالة والفروسية والاستعداد الدائم للحرب، مع التزام ظاهري وطقوسي تجاه الكنيسة، إلا أنَّ الأراضي القابلة للزراعة لم تكن بالقدر الكافي الذي يلبِّي طموح الفرسان، وكثيرًا ما نشبت الحروب حول السيطرة على الإقطاعيات وتوسيع النفوذ، فكانت الحرب الصليبية بالنسبة لهم سعيًا إلى إيجاد منافذ خارجية للتوسُّع، وكانت هذه الطبقة هي التي عَنَاها البابا أوربان الثاني في خطبته التي دشَّنت الحملات الصليبية.
الفكرة من كتاب ماهية الحروب الصليبية
عندما نذكر الحروب الصليبية، فنحن لا نتحدث عن حرب انتهت بانتصار أحد الطرفين ثم طواها التاريخ، إنما نتحدث عن حرب استمرت مائتي سنة ولا يزال أثرها باديًا حتى اليوم.
هذا الكتاب يرصد ويناقش الأيديولوجيا التي حرَّكت جيوش أوروبا في حربها الطويلة ضد المسلمين، وكيف قاوم المسلمون الأخطار المحدقة بهم، وما الآثار طويلة المدى التي خلَّفتها الحرب على المسلمين؟
مؤلف كتاب ماهية الحروب الصليبية
الدكتور قاسم عبده قاسم: (1942 – 2021) مؤرخ ومترجم مصري، حاصل على الدكتوراه في تاريخ العصور الوسطى، وعضو الهيئة الاستشارية للمركز القومي للترجمة، له مؤلفات مهمة مثل: “أهل الذمة في العصور الوسطى”، و”بين الأدب والتاريخ” وغيرهما، إضافةً إلى ترجمة العديد من الكتب مثل: كتاب “تأثير العرب على أوروبا العصور الوسطى”.