الظاهرة الحضارية
الظاهرة الحضارية
يمكن وصف الحضارة بكونها نظامًا اجتماعيًّا يعين الأمم والشعوب على زيادة إنتاجها الإبداعي ومن ثمَّ الرقي والازدهار في شتى ميادين الحياة، ومن المعلوم أن حضارة أي أمة من الأمم لا تنشأ فجأة عن طريق الصدفة، فضلًا عن أن تُمنح لها من غيرها، إنما الأمر محض إرادة بشرية استعلت على معوقاتها ووجدت طريقتها الخاصة للتعاطي مع تحدياتها المختلفة، فانعكس ذلك بلا شك على أنماط الحياة المعيشية والعلاقات الاجتماعية بين أفراد الشعب، وأنظمة الحكم السياسية، والأوضاع الاقتصادية، وكذا الإنتاج العلمي والثقافي في البلاد.
وبشكل أدق يمكن تشريح الظاهرة الحضارية إلى ثلاثة عناصر رئيسة هي الإنسان والعلم والأدوات المادية، فالإنسان هو الركيزة الأساسية لأي حضارة من شأنها أن تتكون، فيجب أن يكون مسلحًا بخرائط عقلية جديدة تواكب التطور في المستقبل لا أن يقنع بما يمليه عليه حاضره، أما العلم والفكر والثقافة فهي الوقود اللازم لانطلاق قاطرة الحضارة والموجه لها في جميع مراحلها، فهو المحدِّد الرئيس لعلاقة الفرد بواقعه المحيط، في حين نجد الضلع الأخير من المثلث الحضاري يكمن في العوامل المادية الانطلاق وتشمل الموارد ورؤوس الأموال وغيرها، ورغم توافر تلك العناصر بصورة أو بأخرى لدى جميع الأمم تقريبًا، فإن ما يميز تلك الأمم التي استطاعت بناء حضارتها هو خلق توازن دقيق بين نسب تلك العناصر المختلفة لمسايرة واقعها وتحدياتها المحيطة بها.
وإنما تبدأ الحضارات في نقض غزلها من بعد قوة أنكاثًا إذا اختلَّت موازين تلك النسب، حيث يبدأ أول معالم الانهيار بفساد هذا التناغم المعنوي بين الفرد من ناحية والسنن الكونية من ناحية أخرى، وتدخل بذلك الشعوب ما يمكن تسميته مرحلة التيه الفكري مما ينعكس عاجلًا أو آجلًا على الممارسات العملية للأفراد، فالسنن لا يغالبها أحدٌ إلا غلبته، فهي كالسيل المنهمر من الممكن ترويضه ولكن لا يمكن الوقوف في وجهه.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
لماذا تسقط الأمم؟ ولماذا تتداعى الحضارات التي كان يُظنُّ يومًا ما من الأيام أنها أكبر من أن تسقط؟ هذا الثقل النفسي الرهيب الذي يفرزه هذا السؤال الصعب هو ما دفع العلماء والمفكرين والساسة وأصحاب الرأي إلى الاعتكاف على دراسة التاريخ والوقائع والأحداث، لعلَّهم بذلك يستلهمون فقه الحضارات ويهتكون أستار السنن الكونية والاجتماعية الحاكمة لمسيرة الجنس البشري عبر العصور، وهذا بالضبط هو موضوع الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
عبد الحليم عويس: ولد في يوليو 1942، بمدينة المحلة الكبرى محافظة الغربية بدلتا مصر، حصل على ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية (1968م)، وعلى الماجستير (1973م) عن أطروحته دولة بني حماد في الجزائر، والدكتوراه (1978م) عن أطروحته ابن حزم الأندلسي مؤرخًا في التاريخ والحضارة الإسلامية من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ثم عمل أستاذًا أكاديميًّا بالعديد من الجامعات المصرية والعربية، كما أنه عضو اتحاد كتاب مصر، وخبير بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وعضو نقابة الصحفيين، وعضو اتحاد المؤرخين العرب، ونائب رئيس جمعية رابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة، ورئيس تحرير مجلة “التبيان” التابعة للجمعية الشرعية بمصر، توفي في ديسمبر من العام 2011.
من مؤلفاته: “المسلمون في معركة البقاء”، و”فقه التاريخ في ضوء أزمة المسلمين الحضارية”، و”دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية”.