الظاهرة الإنسانية
الظاهرة الإنسانية
تتميَّز طبيعة الإنسان أو طبيعة البشر بجمعها ثنائية لا يمكن أن ينشقَّ أحد طرفيها عن الآخر، وهي ثنائية (المادي/ اللامادي)، فالإنسان كائن موجود مادي مجسد يشارك بقية الكائنات في بعض الصفات، فهو جسم يخضع للقوانين الطبيعية، ويحتاج إلى المادة في الأكل والنوم والتناسل وغيرها، أما الجانب اللامادي أو الجانب المتجاوز للطبيعة المقصور على عالم الإنسان فقط، فيظهر في نشاط الإنسان وحسِّه الأخلاقي والجمالي والديني، كما أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يطرح التساؤلات الكُبرى “العلل الأولى”، فهو دائم النظر والبحث، يغوص في ما وراء المظاهر ليُدرك المعاني، وهو صاحب إرادة حُرَّة، كما أنه النوع الوحيد الذي يتميَّز كل فرد فيه بخصوصيات تجعل كل فرد يختلف عن غيره.
وما يُميِّز الإنسان أيضًا أنه قادر على تشكيل وعيه حسب ما يتوصَّل إليه من معرفة خلال تجاربه، بالإضافة إلى أن زمن الإنسان هو زمن العقل والإبداع، والخطيئة والتوبة، ليس زمنه مثل الحيوان الذي يخضع لدورات طبيعية تكرر في نظام مُحدد.
وفي دراسة الظاهرة الإنسانية لا نستطيع الوصول إلى قواعد تنطبق على كل المواقف الإنسانية، لأن كل موقف له عناصره ومكوناته، كما أن العناصر الإنسانية خلال دراستها تتأثَّر بالتجربة التي تُجرى عليها، فالأفراد بطبيعتهم قد يحوِّلون من سلوكهم بشكل واعٍ أو غير واعٍ ما داموا تحت الملاحظة، إما لمحاولة إرضاء صاحب التجربة وإما لمحاولة الإخلال بالنتائج، كما أن الباحث نفسه الذي يدرس الظاهرة يستجيب لعواطفه وكيانه وتحيُّزاته، وحين يخرج بنتائج لا يستطيع وصفها بمعادلات رياضية دقيقة كما في العلم الطبيعي، لذلك فالإنسان يشكِّل ثغرة معرفية كبرى في النسق المادي، فهو ليس جزءًا من المادة ولا يسير بقوانينها المادية فقط، وإنما هو جزء منها، يوجد فيها، يتصل بها وينفصل عنها، قد يشترك معها في بعض السمات، لكنَّه لا يُرد كُليًّا إليها، فهو قادر على تجاوزها، باعتباره ظاهرة متعدِّدة الأبعاد ومُركَّبة غاية التركيب ولا يمكن اختزالها في بُعد واحد.
الفكرة من كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
يقدم هذا الكتاب دراسة نقدية للفلسفة المادية التي تُشكِّل البنية الفكرية للعديد من الفلسفات الحديثة مثل الماركسية والبراجماتية والداروينية، فيُبيِّن مواطن قصورها في تفسير ظاهرة الإنسان، وذلك من خلال وضع الفروق الأساسية بين الظاهرة المادية والظاهرة الإنسانية، بالإضافة إلى توضيح أثر تلك الفلسفة في المجتمعات القائمة عليها، ولماذا أصحاب تلك الفلسفة تحديدًا يكنُّون نزعة عدائية تجاه الإنسان.
مؤلف كتاب الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
عبد الوهاب محمد المسيري: مفكر وعالم اجتماع مصري، وُلد في مدينة دمنهور عام 1938، التحق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وعُيِّن معيدًا فيها عند تخرجه، انتقل إلى الولايات المتحدة للحصول على الماجستير ثم على الدكتوراه، كما عمل بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية.
أبرز كتبه: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية – رحلتي الفكرية – العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، وغيرها.