الظالم المظلوم
الظالم المظلوم
لقد تعامل علي (رضي الله عنه) مع الخوارج بما أشارت بهِ شريعة الله (عز وجل)، بالسيف والقتال، وأيضًا بالمُناظَرة، والمُحاجة، فقد قامت مناظرة بينهم وبين سيدنا علي (رضي الله عنه)، وكذلك قامت مناظرة أخرى مع عبد الله بن عبَّاس (رضي الله عنه)، وقد اتضح من هذه المناظرات ضعف منهجهم وتسرُّعهم في اتهام المسلمين بالكُفر تبعًا لأهوائهم، وجهلهم العميق بمعنى الحاكميَّة والحكم في الشريعة، وقد أعادت هذه الوسائل الكثير منهم إلى طريق أهل السنة والجماعة مرة أخرى، وقد ترك سيدنا علي بدءَ الخوارج بالقتال لأسباب عدَّة حسب رأي الكاتب، فقد يكون اتجاهًا فقهيًّا سلكهُ (رضي الله عنه) أو لاعتباراتٍ سياسية، أو ربما يكون عائدًا إلى عدم تيقُّنه من أنهم الذين قال عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، ولكن حين تبيَّن أمرهم بعد معركة النهروان، اتَّبع ما أمر بهِ ربنا (عزَّ وجل) في قتالهم، بلا بغيٍ أو ظُلم، وقد أعلن عليهم الحرب بعد أن أقرُّوا بقتلهم لعبد الله بن خباب بعد أن أمنوه، وعقرهم امرأته وهي حاملٌ في طفلهما، وانتهى بغيهم بقتلهم لسيدنا علي (رضي الله عنه) في ليلة يوم جُمعة، في شهر رمضان المبارك، يوم السابع عشر من الشهر، من سنة أربعين للهجرة
ولقد ابتُلي هؤلاء القوم بالغلط في مواطن السعة، والتفريط في مواطن الحذر، فضرُّوا أنفسهم وأضرُّوا المسلمين، لكن من باب العدلِ والإنصاف فقد استُهلِك هذا الاسم في ساحات البغي والعُدوان، وعلى الرغم من تشديد الشريعة الإسلامية على مواجهتهم، وردعهم، فإن هذا الردع مُزدانٌ بالعدل، والرحمة، فقد فجر بعضهم في الخصومة التي أدَّت إلى ارتكاب المُحرَّمات، كما صنع ابن عبَّاد قائد جيش ابن زياد حين قتل الخوارج وهم ساجدون في المسجد في يوم الجمعة بعد أن أمَّنهم منه غدرًا وخيانة، بل زاد عليه ابن زياد حين قطع يد ورجل امرأة خارجية كانت تحرِّض عليه، وكان من قبل قتل امرأة خارجيَّة وعرَّاها حتى يعتبروا، وعلى الرغم من نجاعة هذه الوسائل كرادع، فإنها حوت ظُلمًا وغدرًا وخيانة تحت غطاءٍ شرعي ليس في محلِّه ولا بالإمكان أن يوجد.
الفكرة من كتاب المنشقُّون: تنقيب عن مفهوم الخوارج بين التاريخ والواقع
إن الخوارج من أعجب أهل البدع منهجًا ومنهجيَّة، فالباحث في حالهم يتعجَّب كثيرًا كيف لفئة من المسلمين محاربة وتكفير فئة أخرى وفيهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، وقد قاموا بجرائم كان العربي في جاهليته يتعفَّف من ذِكرها عوضًا عن فعلها، وهذا الكتاب مبحثٌ عميق في امتدادهم التاريخي، وأصل فكرتهم، وما آل إليه حالهم في واقعنا المُعاصر، مع سبرٍ لأغوار نفوسهم وبحثٍ في أسباب انحرافهم عن أهل السنة والجماعة.
مؤلف كتاب المنشقُّون: تنقيب عن مفهوم الخوارج بين التاريخ والواقع
عبد الله بن صالح العجيري: وُلِد عام 1976م بمدينة الخُبر بالسعودية، تخرَّج في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بكُلية الهندسة تخصُّص الحاسب الآلي، والتحق بجامعة الإمام محمد بن سعود وتخرَّج فيها بكلية أصول الدين، وهو باحثٌ ومفكِّر إسلامي، ومدير لمركز تكوين للدراسات والبحوث، له العديد من المقالات والكتب منها: “شموع النهار“، و”عبث الرواية“، و”ينبوع الغواية الفكرية“.