الطفولة ليست نمطًا واحدًا
الطفولة ليست نمطًا واحدًا
تتفاوت مظاهر العناية بالأطفال بين البلدان والأقاليم المختلفة وعلى مر العصور، تحولت تحولات جذرية أحيانًا، وتطورت صورها إلى صور أفضل أو أسوأ في أحيان أخرى، بعض المجتمعات مثلًا تدعم عمل الأطفال وترى فيه شكلًا من أشكال الانتماء للأسرة والتعزيز لهوية الطفل، وبعضها ترى أن فيه تعديًا على حقوق الطفولة، وبعض آخر ميز بين الذكر والأنثى في العمل والميراث وأحيانًا التعليم، كذلك مرحلة البلوغ أو الحُلم أو التي سُميت في ما بعد باسم المراهقة، تعد مرحلة متفاوتة أيضًا بين المجتمعات البشرية، من ناحية التوقيت ومن ناحية الممارسات ومن ناحية المراقبة الأسرية والمجتمعية على هذه المرحلة.
إن قراءة تاريخ الطفولة من نواحٍ عديدة يعد أمرًا عسيرًا في بعض الأحيان، لأننا نتعامل مع مرحلة قد لا تتوافر عنها معلومات كافية لدى بعض المجتمعات، إضافة إلى كثرة الوفيات في تلك المرحلة، ومن ثم لم يستكمل العديد من الأطفال مراحل النمو، ليخبرنا ذلك بشكل أو بآخر عما حدث في تلك الحقبة، أضف إلى ذلك أن ما نُقلت إلينا هي المظاهر العامة، ولم تنقل إلينا مشاعر الأطفال أو آراؤهم حول تلك الممارسات، كالتأديب البدني مثلًا، أيضًا من تلك الأسباب اهتمام المؤرخين بنقل تطورات الطفولة في الغرب والصين على حساب إفريقيا والهند، فنجد أن المعلومات في الأولى أكثر من الثانية وهذا ما يفسر لنا التبعية وراء تقليد المنتجات الغربية، بل وانتشار المفاهيم الغربية المتعلقة بالطفولة أيضًا، ويفسر لنا كذلك وضع ذلك النموذج في الصدارة، إلا أن قراءة تاريخ الطفولة أيضًا مهمة من نواح أخرى، فهو يخبرنا بموقعنا الحالي مقارنة بالتصورات القديمة الحسنة والسيئة، فليست كل التطورات الحاصلة في هذا المجال حسنة بطبيعة الحال اليوم!
يُمكن تقسيم النظرة إلى التاريخ العالمي للطفولة إلى فترات زمنية، فهناك الفترة من ١٠٠٠ق.م إلى ٥٠٠م، وهي فترة تكون الحضارات المعتمدة على السلاح والإمبراطوريات الضخمة والثقافات الشرقية، كالكنفوشية والهندوسية، ثم فترة الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام من ٥٠٠م إلى ١٤٥٠م، وتأثير ظهورها مع التجارة العالمية في مفاهيم الطفولة، ثم تأتي بقية المراحل التاريخية من الثورة الصناعية وسيطرة الكنيسة مرورًا بالحروب وانتهاء بالعولمة والاستهلاكية، كل ذلك له تجلياته حول الطفولة بالطبع، بل وحول الأسرة بشكل عام من والدين وإخوة وأجداد كما سنرى.
الفكرة من كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
يبدو أن الطفولة مرت بمراحل عدة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وفهمنا لهذه المراحل يجعلنا نحن العرب ننظر إلى التاريخ بشكل مختلف، وندرك كيف أثرت فينا تلك المراحل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من مراحل الصيد إلى الزراعة وحتى وصلنا إلى النموذج الحديث ذي الحدين، فكما أنه حمانا من مساوئ النماذج السابقة إلا أنه أتى معه بتحديات ومشكلات أخرى جديدة، إذًا هل نرفضه ولا نتبناه؟ ليس بشكل مباشر، وإنما علينا أن ننظر بموضوعية ونرى ما الذي يتفق معنا ومع بيئاتنا، وما الذي نستطيع تقويمه وتعديله للانتفاع به. لنلق نظرة إذًا..
مؤلف كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
بيتر ن. ستيرنز، عمل في جامعة جورج ميسن، ونتيجة لخبرته الطويلة في التدريس تولى رئاسة الجامعة، حصل على الدكتوراه من هارفارد، وأسس مجلة التاريخ الاجتماعي وتولى تحريرها، وألف وحرر ما يقارب ١٠٠ كتاب وزيادة.
معلومات عن المترجم:
وفيق فائق كريشات، حاصل على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، من جامعة تشرين، ترجم مجموعة من الكتب منها:
بذور الكلام: أصل اللغة وتطورها.
الفلسفة الشرقية.
رحلة الرجل: ملحمة وراثية.