الطفولة في الغرب القديم وحتى الحديث
الطفولة في الغرب القديم وحتى الحديث
من بين نماذج عدة لتغيرات مفاهيم الطفولة حول العالم نختار النموذج الأوروبي الغربي، وذلك لوفرة المعلومات حوله ولتطوره السريع، وتأثر المجتمعات الأخرى بمفاهيمه، وما يعنينا هنا هو مفاهيمه حول الطفولة قبل الحداثة وبعدها.
كانت مفاهيم الدين المسيحي مؤثرة في تصرفات الغرب قبل الحديث، مفهوم الخطيئة ولّد قسوة وعدائية في التعامل مع الأطفال، كذلك لم تكن العاطفة تجاههم حاضرة على الساحة، وبرزت مظاهر كالاسترضاع والقَمط وتقليل الاعتماد على الوالدين والنفور من مرحلة الطفولة المبكرة وترك الأطفال عند الكنائس وغيرها، منها ما كان في سبيل تحديد النسل ومنها ما كان في سبيل تقليل العبء للتفرغ للعمل، سواء في ذلك الأب والأم.
تميزت تلك الفترة أيضًا، أي التي تعقب المرحلة الكلاسيكية وتسبق مرحلة الغرب الحديث، بالتأديب البدني القاسي، وكانت بعض الأسر ترسل أبناءها للعمل عند أسر أخرى يعلمون أنهم سيقومون بتأديبهم إذا لزم الأمر، فرارًا من أن يؤدب الأبوان أبناءهما بنفسيهما!
تحسنت الأوضاع قليلًا ما بعد الحداثة، خصوصًا في الغرب الأمريكي الذي أظهر انفتاحًا أكثر على الطفولة، وحرية أكبر وسعيًا في سبيل تحقيق السعادة والرخاء الأسري، للحفاظ على الأبناء داخل الأسرة، لقد تغيرت تركيبة الأسرة نفسها، وفي الإجمال يمكن أن نحصر أبرز التغيرات في نطاق أربعة تغيرات:
أولها التغير في وجهة الطفولة من العمل إلى التعليم المدرسي؛ على عكس المجتمعات الزراعية فإن المهمة الأولى للطفولة هنا، على الرغم من تعقيد الوضع أكثر، إنهاءُ سنين التعليم المدرسي ليصبحوا في ما بعد قادرين على العمل، والتغيير الثاني متعلق باتخاذ القرارات بشأن الحد من النسل مع اختلاف الطرق المتبعة، وهذه نقطة جوهرية في النظام الحديث للطفولة، فمن ٥ أو ٧ أطفال في المجتمعات الزراعية إلى طفلين أو ثلاثة هنا، ونتيجة لذلك، تم الحد من نسبة الوفيات في الطفولة كمظهر ثالث؛ جزء منه تولته الدولة والبنية التحتية، وجزء منه جاء نتيجة للحد من النسل، فأصبحت عناية الأسرة مركزة حول طفل أو اثنين، وأخيرًا اهتمام الدولة وتدخلها المباشر في أمر الطفولة، وظهر ذلك في توجيه المقررات الدراسية، وإصدارها قوانين حماية الأطفال، وقوانين حقوق الأطفال، وكذلك قوانين الصحة العامة، كل ذلك حتى تضمن مواطنين وعمالًا وجنودًا مخلصين.
أسفرت هذه التغيرات عن مظاهر وتداعيات جديدة في الطفولة، فمن رفض للخطيئة والتأديب البدني إلى العاطفة الجياشة ورحلات حفلات عيد الميلاد والألعاب والقصص المصورة، ومن تنصل من المسؤوليات الأبوية إلى تقديس لمفهوم الأمومة، وأخيرًا ظهر مفهوم المراهقة تعبيرًا عن التوتر الجنسي وقتها، أما التصنيف الجنسي فكان واضحًا، وكان لكل من الجنسين أدوار وقيود واضحة.
الفكرة من كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
يبدو أن الطفولة مرت بمراحل عدة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وفهمنا لهذه المراحل يجعلنا نحن العرب ننظر إلى التاريخ بشكل مختلف، وندرك كيف أثرت فينا تلك المراحل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من مراحل الصيد إلى الزراعة وحتى وصلنا إلى النموذج الحديث ذي الحدين، فكما أنه حمانا من مساوئ النماذج السابقة إلا أنه أتى معه بتحديات ومشكلات أخرى جديدة، إذًا هل نرفضه ولا نتبناه؟ ليس بشكل مباشر، وإنما علينا أن ننظر بموضوعية ونرى ما الذي يتفق معنا ومع بيئاتنا، وما الذي نستطيع تقويمه وتعديله للانتفاع به. لنلق نظرة إذًا..
مؤلف كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
بيتر ن. ستيرنز، عمل في جامعة جورج ميسن، ونتيجة لخبرته الطويلة في التدريس تولى رئاسة الجامعة، حصل على الدكتوراه من هارفارد، وأسس مجلة التاريخ الاجتماعي وتولى تحريرها، وألف وحرر ما يقارب ١٠٠ كتاب وزيادة.
معلومات عن المترجم:
وفيق فائق كريشات، حاصل على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، من جامعة تشرين، ترجم مجموعة من الكتب منها:
بذور الكلام: أصل اللغة وتطورها.
الفلسفة الشرقية.
رحلة الرجل: ملحمة وراثية.