الطفولة بين عالمين
الطفولة بين عالمين
الحرب، والإيدز والجنس، وعمالة الأطفال، والمرض وسرعة الوفاة،كلها سمات للمئة عام الفائتة في ملف الطفولة؛ أثرت الحرب تأثيرًا بالغًا في الطفولة نفسيًّا وجسديًّا واقتصاديًّا، وحرمتهم الأسر والأمن والسكن، وألجأتهم إلى المخيمات التي لم تكن أفضل حالًا للكثيرين، فالمخيمات تعني قلة الغذاء والدواء ومن ثم تستلزم عمل أفراد الأسرة كلهم، كما أنها تعني في بعض البلاد استغلالًا جنسيًّا للفتيات من قِبل أهليهم مقابل لقمة العيش، ومن قِبل الجنود مقابل اللذة والمتعة! والحصيلة ١٥٠ مليون طفل قتلوا منذ السبعينيات في الحروب، وأصيب ١٥٠ مليونًا آخرين، وعلى الرغم من ذلك فقد جندت الحروب لصالحها ٣٠٠ ألف طفل مسلحين، سواء أكان ذلك باختيارهم أم رغمًا عنهم، ليس هناك فرق، ففي النهاية ستتبلد أحاسيس أولئك الأطفال، وسيفضلون ساحة الحرب على العودة إلى منازلهم! لأسباب عدة تم انتزاع الأطفال إلى العمالة كما تم انتزاعهم إلى الحرب، بالإكراه أو الاضطرار، تبعت ذلك تداعيات أخرى كالاعتداءات الجسدية والجنسية، وانخفاض الأجور ونحو ذلك، أعمال ليست كتلك التي في المجتمعات الزراعية، بل أعمال أشد خطورة وأكثر استغلالية.
يبدو الأمر مختلفًا قليلًا بعد ظهور العولمة، على الرغم مما سهلته من تواصل مع البلدان والثقافات الأخرى، فقد كانت سلاحًا ذا حدين أيضًا؛ أصبحت القرارات والقوانين التي تُعنى بأمر الطفولة شيئًا عالميًّا، تجتمع معظم دول العالم لاتخاذ قرار ما بشأنه، وظهرت المنظمات الحقوقية ومنظمات الصحة العالمية للعناية بالطفل، بينما لم تختف مسألة عمالة الأطفال، فدخلت هي أيضًا في الدائرة الاقتصادية وبأشكال مختلفة، والنزعة الاستهلاكية من أحد منتجات العولمة أيضًا، وتتمثل مظاهرها في ارتياد المطاعم العالمية ومدن الملاهي وأفلام الكرتون اليابانية والموسيقى الصاخبة وجلسات مشاهدة الأفلام والسعي نحو الجسد الباربي! لم تؤثر العولمة في الطفولة وحسب، وإنما في الراشدين أيضًا آباء وأمهات، في نظرتهم إلى الطفولة، وفي تعاملهم مع أبنائهم، فأصبحت الأبوة والأمومة توفيرًا للسلع والألعاب ووسائل الترفيه وقضاء وقت ممتع في ديزني، ساعد على ذلك التصور العام للطفولة أو العولمي بمعنى أصح، والمنتجات الكثيرة الموّجهة لكل من الطفل والأم بشكل خاص، كعربات الطفل مثلًا، التي رفضتها عدة مجتمعات خصوصًا في إفريقيا، حرصًا منها على العائد العاطفي الذي يلقاه الطفل من الالتصاق المباشر مع الأم. سلاح ذو حدين بالطبع، أليس كذلك!
الفكرة من كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
يبدو أن الطفولة مرت بمراحل عدة حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وفهمنا لهذه المراحل يجعلنا نحن العرب ننظر إلى التاريخ بشكل مختلف، وندرك كيف أثرت فينا تلك المراحل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من مراحل الصيد إلى الزراعة وحتى وصلنا إلى النموذج الحديث ذي الحدين، فكما أنه حمانا من مساوئ النماذج السابقة إلا أنه أتى معه بتحديات ومشكلات أخرى جديدة، إذًا هل نرفضه ولا نتبناه؟ ليس بشكل مباشر، وإنما علينا أن ننظر بموضوعية ونرى ما الذي يتفق معنا ومع بيئاتنا، وما الذي نستطيع تقويمه وتعديله للانتفاع به. لنلق نظرة إذًا..
مؤلف كتاب الطفولة في التاريخ العالمي
بيتر ن. ستيرنز، عمل في جامعة جورج ميسن، ونتيجة لخبرته الطويلة في التدريس تولى رئاسة الجامعة، حصل على الدكتوراه من هارفارد، وأسس مجلة التاريخ الاجتماعي وتولى تحريرها، وألف وحرر ما يقارب ١٠٠ كتاب وزيادة.
معلومات عن المترجم:
وفيق فائق كريشات، حاصل على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها، من جامعة تشرين، ترجم مجموعة من الكتب منها:
بذور الكلام: أصل اللغة وتطورها.
الفلسفة الشرقية.
رحلة الرجل: ملحمة وراثية.