الطريق نحو الهدف الأكبر
الطريق نحو الهدف الأكبر
طمح زنكي في توحيد منطقة بلاد الشام وإقليم الجزيرة، فكان أول ما نفذه هو ضم المدن القريبة من الموصل، كجزيرة ابن عمر عام 521هـ، ثم إمارة حلب عام 522هـ التي تتمتع بأهميتها العسكرية والاقتصادية والسياسية الكبرى، مما سمح لزنكي بتنفيذ أهدافه في حركة الجهاد وتحقيق تقدمات حاسمة ضد الصليبيين، وبذلك استطاع توحيد الموصل وحلب تحت إمارته، ثم نجح في أواخر عام 522هـ في ضم سنجار والخابور وحرَّان، ثم أربل ذات الأهمية العسكرية، وفي عام 529هـ استطاع ضم الرقة كذلك، وفي عام 531هـ ضم كلًّا من دقوقا وشهرزور التابعة للأكراد، ولم يكتفِ بذلك، فقرر التوسع باتجاه الجنوب وضم المدن الواقعة على الفرات، واستكمل زحفه نحو نصيبين التابعة لإمارة ماردين وحاصرها حتى تسلمها من أهلها.
حاول زنكي بعد ذلك أن ينظر إلى موقف إمارة أرمينية، وكان قد خطب ابنة أميرها “سكمان القطبي” لتعزيز العلاقات بينهما لأنه اعتبر أن موقع الإمارة بمثابة حزام واقٍ له ضد هجمات الخزر والقفجاق الآتية من آسيا الصغرى، لذا ترك أمر ضم أرمينية وبدأ بالنظر إلى ضم دمشق والمدن المحيطة بها، فسيطر أولًا على حماة، وبعد محاولات عديدة كلَّفت زنكي الجند والإمدادات استطاع أخيرًا الحصول على حمص بعد مفاوضات مع حاكم دمشق الجديد شهاب الدين محمود ضمنت زواجًا سياسيًّا لزنكي من أم شهاب الدين “زمرد خاتون” وزواج ابنته من شهاب الدين، وقد حاول زنكي بعد ذلك ضم دمشق، لكن إصرار الدمشقيين وتحالفهم مع الصليبيين ضد زنكي أضعف موقفه، خصوصًا بعدما استولى الصليبيون على حصن بانياس، فاضطر زنكي إلى الانسحاب وفك الحصار حتى لا يقع بين فكي الكماشة، فتعطلَّت بذلك طموحاته لتوحيد المسلمين في بلاد الشام.
الفكرة من كتاب السلطان الشهيد عماد الدين زنكي
لم يكن المشروع الإسلامي الذي حقَّقه صلاح الدين الأيوبي ومن قبله نور الدين زنكي إلا استكمالًا لما بدأه قائد مُسلم وسياسي بارع يُدعى عماد الدين زنكي، إذ بدأ الأمر من مدينة لم يتوقع أحد أنها ستكون يومًا ما الانطلاقة نحو توحيد مصر وبلاد الشام وتحرير الأقصى، وهي مدينة الموصل.
وفي الوقت الذي ضعفت فيه البلاد الإسلامية وتفكَّكت حتى اعتبرت كل مدينة نفسها دولة تحارب جارتها المسلمة، يخرج هذا الأمير أو كما عُرِف بالأتابك، من إمارته الصغيرة نحو مشروعه الضخم الذي سيشهد نجاحًا غير مسبوق استحق تحرير الأقصى!
مؤلف كتاب السلطان الشهيد عماد الدين زنكي
علي محمد محمد الصلابي: فقيه ومؤرخ ومحلِّل سياسي ليبي الجنسية، نال درجة الماجستير في أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن، كما حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية.
له العديد من المؤلفات منها: “دولة السلاجقة: موسوعة الحروب الصليبية”، و”الشورى فريضة إسلامية”، و”صفحات مشرفة من التاريخ الإسلامي”، و”فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب”.