الطريق إلى تدمر
الطريق إلى تدمر
هل تستطيع أن تتذكَّر الآلام واللحظات القاسية بكفاءة، هل تحب أن تتذكَّرها؟ لا أحد يحب ذلك، ولا أي شخص سوري يودُّ تذكُّر تلك الأيام، كمذبحة تدمر سنة 1980، أو حتى سجن تدمر كله، أو مأساة حماة سنة 1982، ولا على المستوى الشخصي أن يتذكَّر أيام السجن، ولكن لا مفر، فكما يقول ياسين الحاج: “لكننا أهل الميت، والجثة جثتنا، التذكُّر صعب ولكن النسيان ممنوع”.
ولكن كيف يعبر المسجونون مستنقع الذكريات الأليم إذا كان النسيان غير ممكن!
إن السجن مكان القانون الواحد وهو هناك أسوأ من الأسوأ دائمًا، هناك أسوأ من أسوأ مخاوفنا، في هذا السجن المرعب الذي احتضن أشد المعارضين من الإسلاميين والبعثيين، قضى فيه ياسين الحاج آخر أحد عشر شهرًا من معتقله، ولكنها كانت بكل ما سبق، لدرجة أنه بدأ بها حكايته في الكتاب، هناك حين يعرف المرء معنى الخوف الحقيقي: الخوف كشعور جسدي وليس كقلق وحسب، كان نظام التعليم في تدمر، أن تعاقب على كل شيء ومن أجل لا شيء، ضربًا وإهانة وتعذيبًا، كانوا يوصفون بالصراصير الغدارة دلالةً على الاحتقار لأبعد حد والعجز عن رد الفعل، وبسبب غدرهم هذا استحقوا أن يُسحقوا، لا يمكن النظر إلى أعين السجانين، فلا مجال للتعارف الإنساني، ولا يمكن رفع الرأس بحد ذاته، فكما قال أحد السجانين هناك: “ماذا فعلتم لترفعوا رأسكم عليه”!
هل كان سجن المسلَّمية وعدرا بهذا الشكل؟ لا تمامًا، سُمِِح لهم هناك ببعض النشاطات الإنسانية كالكتب، والطبخ، والحياكة وتلفاز واحد بعد فترة في وقت معيَّن من اليوم، كانت أشياء تساعد على الحياة قليلًا، وتجاوز الوقت قتلًا أو كسبًا.
الفكرة من كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
إن هذا الكتاب لا يعده كاتبه ضمن أدب السجون ولا البحث الاجتماعي، ولا حتى كتبه بروح المظلومية وفضح النظام، ولكن الكتاب تأمُّلات قصة حياة السجن، ويحمل طابع السير الذاتية، فحياته كانت في الداخل، وجزء من تكوينه الأساسي كان في السجن، فقد دخل وهو ابن عشرين عامًا، ونشر الكتاب وهو في الخمسين.
يبدأ موضوع الكتاب من لحظة الاعتقال في فجر أحد أيام ديسمبر عام 1980، طالب الطب صاحب العشرين عامًا، وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوري ياسين الحاج صالح، ليقضي ستة عشر عامًا وأربعة عشر يومًا ما بين سجن المسلمية بحلب، ثم سجن عدرا بدمشق عام 1992، وأخيرًا ينهي المأساة بمأساة أكبر استمرت نحو سنة كاملة في سجن تدمر الرهيب، ليخرج في أواخر ديسمبر عام 1996م.
مؤلف كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
ياسين الحاج صالح، كاتب سياسي ومعتقل يساري سابق، مؤلف مشتغل بالشؤون السورية ونقد الثقافة والإسلام المعاصر.
وُلِدَ في مدينة الرقة عام 1961م، واعتُقِل عام 1980م في السنة الثالثة لكلية الطب، بتهمة الانضمام إلى تنظيم شيوعي ديمقراطي، ويعتبر حاليًّا من أهم الكتاب السوريين في قضايا الثقافة والعلمانية والديمقراطية والإسلام المعاصر.
من مؤلفاته: “سوريا من الظل”، و”أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده”، و”السير على قدم واحدة”، و”الثقافة كسياسة: المثقفون ومسؤولياتهم الاجتماعية في زمن الغيلان”، و”أي إسلام وأي علمانية”، و”بالخلاص يا شباب”.