الطريق إلى تبوك وباب السلام
الطريق إلى تبوك وباب السلام
مرَّ الفوج بالصحراء الواسعة التي شغلتهم عن الدنيا وهمومها ومشاغلها، يهتدون في رحلتهم بالنجوم، فعرفوا معنى قول الله تعالى: (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)، وتفكروا في كيف كان العرب يعتمدون على النجوم في تحديد مواقع البلاد، ومروا في رحلتهم على الأراضي الصلبة والطينية، والشعب والنباتات الصحراوية، والروابي والتلال، في رحلة استمرت أربع ليالٍ، ممتلئة بالتعب والحيرة وخوف الضياع، حتى اهتدوا إلى تبوك.
أرسل أمير تبوك إلى الوفد سيارة تستقبلهم وتقودهم إلى الطريق، فوصلوا إلى البلد وقد بلغوا من الجوع والتعب مبلغًا، فوجدوا المدينة ليست كالقريَّات، فقد كان لها بناء حضري واسع منظم، واستقبلهم الأمير “السديري” استقبالًا لطيفًا نبيلًا، وقام “الطنطاوي” إلى الحمام وبدل ملابسه واستحم وتبعه في ذلك باقي أصحابه في الفوج، واجتمعوا إلى مائدة ممتلئة بالخيرات، وناموا ثم استيقظوا وكانت لهم جولة في تبوك، نصف الطريق إلى المدينة.
وها هي الطلَّة الأولى على مدينة رسول الله (ﷺ)، وجبل أُحد الذي شهد المعركة العظيمة، الجبل الذي قال عنه رسول الله (ﷺ): “أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ”، ويذكر الكاتب أبياتًا من شعر محمد بن عبد الملك يقول فيها:
ألا ليت شعري، هل أبيتَنَّ ليلةً
بسلع ولم تغلق عليَّ دروب
وهل أُحُد بادٍ لنا وكأنه
حصان أمام المقربات جنيب
يخب السراب الضحل بيني وبينه
فيبدو لعيني تارة ويغيب
فإن شفائي نظرة إن نظرتها
إلى أُحُد والحَّرتان قريب
ثم بدت المدينة ذات القبة الخضراء، التي تظلل قبر خير خلق الله محمد (ﷺ)، وبها ظهر النور من مدينة النور والحبور، ووقفت السيارات بباب السلام فخفقت لذلك القلوب وأدمعت العيون، ونزل الفوج ثم دخلوا مسجد رسول الله (ﷺ).
الفكرة من كتاب من نفحات الحرم
يقول رسول الله (ﷺ): “لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، والمسجد الأقصى”.
يتناول كتاب “من نفحات الحرم” رحلة وفد سوري من دمشق إلى المدينة ثم إلى مكة المكرمة، في مشاهد جليلة مرَّ بها، ويصف لنا فيها طبيعة الحياة في بلاد الحرمين، بأسلوب أدبي جميل.
مؤلف كتاب من نفحات الحرم
علي الطنطاوي (1909- 1999م): كاتب وفقيه وأديب وقاضٍ سوري، يُعد من كبار أعلام الدعوة الإسلامية والأدب العربي في القرن العشرين، كتب في كثير من الصحف العربية لسنوات طويلة منها الرسالة المصرية، والمقتبس، والأيام والشرق الأوسط، وغيرها.
عمل منذ شبابه في سلك التعليم الابتدائي والثانوي في سوريا والعراق ولبنان حتى عام 1940، وترك التعليم ودخل سلك القضاء، فأمضى فيه خمسة وعشرين عامًا من قاضٍ في النبك ثم انتقل إلى دمشق فصار القاضي الممتاز فيها، ونقل مستشارًا إلى محكمة النقض في الشام، ثم مستشارًا لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر، وقد أعد مشروع قانون الأحوال الشخصية كله وصار هذا المشروع أساسًا للقانون الحالي لسورية.
من أشهر مؤلفاته:
صور وخواطر.
من حديث النفس
حكايات من التاريخ.
سيد رجال التاريخ محمد ﷺ.
ذكريات علي الطنطاوي.