الطبري العالم
الطبري العالم
اعتاد الطبري في آخر أيامه أن يقول إن نفسه حدثته في صغره بتأليف تفسير للقرآن الكريم على النسق الذي جاء به التفسير الذي قام به.
يعتبر الإنتاج العلمي للطبري سلسلة متواصلة منذ بلوغه الصبا حتى وفاته، فقد ذكرت إحدى الإحصاءات التي قامت بحصر مصنفاته أنها احتوت على 350 ألف ورقة، أي أن الطبري كان يكتب بمعدل 14 ورقة يوميًّا منذ بلوغه الصبا حتى وفاته.
ركز الطبري في تصانيفه بشكل رئيس على الفقه والتفسير والتاريخ، كما تبحر أيضًا في علم أصول الفقه وعلوم القرآن وعلوم اللغة ومعرفة الغريب.
كان اهتمامه ومعرفته بالطب بل وممارسته إياه أحيانًا أحد جوانب شخصيته العلمية، وكانت معرفته بالحساب والجبر شبه محدودة على قدر ما تتطلب معرفته من فقيه في عصره، لكنه كان متمكنًا في علوم أخرى مثل الفلسفة والمنطق لشيوع من يستخدمون هذه العلوم في تضليل الناس من أهل البدع فانشغل بدراسة هذه العلوم للرد عليهم.
استمد الطبري الكثير من مصنفاته من المصنفات المكتوبة، ورغم ذلك كان قلّما يشير إلى المصادر التي استقى منها هذه المعلومات والتي لم يصل معظمها إلينا على كل حال حتى ما كان يشير إليه.
كان الطبري مؤمنًا ومجاهرًا بأهمية الاجتهاد، وهو ما كان عليه الحال في كتبه، إذ كان ينقل الآراء المختلفة ثم يتبعها بما يرى كونه صوابًا.
لا عجب أن يكون لعالم بحجم الطبري وإقدامه على الاجتهاد في العديد من المسائل أعداء، ولمّا كان عصره مليئًا بالاضطراب في سلطة الحكم كانت تستخدم الافتراءات والوشاية لدى الحكام أداة لإزاحة الخصوم.
ورغم أنه كان يصرح في كتبه ومجالسه بعقيدته التي تتفق مع عقيدة أهل السنة، لم يستنكف بعض الحنابلة أن يصفوه بالتشيع بناء على تفسيره لبعض الآيات، ومما أشعل حدة خلافه مع الحنابلة أنه في أحد كتبه لم يعد أحمد بن حنبل فقيهًا موازيًا لأقرانه الشافعي وأبي حنيفة ومالك واكتفى باعتباره أحد كبار المحدثين.
كان الطبري شافعي المذهب في بدايته، كما درس على يد محمد بن داود شيخ المذهب الظاهري وخالفه بعد ذلك وأقام عليه الحُجة في عدة مسائل، ثم صار له مذهبه في الفقه وهو المذهب الجريري، لكن مذهبه لم ينتشر بشكلٍ كافٍ إذ لم يصرف إليه أصحابه بعد وفاته الجهد اللازم لتوضيح أسسه وحمايته والدفاع عنه.
توفي الطبري في السابع والعشرين من شهر شوال عام 310 هجريًّا، ودفن في داره في صباح اليوم التالي وعندما علم الناس بوفاته صلوا على قبره أيامًا وليالي لمدة من الزمن، كما رثاه العديد من الشعراء كعادة أهل زمانه.
الفكرة من كتاب الطبري حياته وآثاره
هذا الكتاب هو مقدمة فرانز روزنثال التي افتتح بها ترجمته الإنجليزية لمصنف تاريخ الطبري، وتعتبر هذه المقدمة سيرة ذاتية للطبري جمعها روزنثال وكان يتمنى لو وضعت هذه السيرة الذاتية في كتاب مستقل، ولكن لم توافق اللجنة الموكلة بترجمة كتاب تاريخ الطبري على فعل ذلك.
يتضمن هذا الكتاب سيرة مفصلة للطبري الذي يعتبر من أكثر علماء الإسلام تصنيفًا وشهرة، والذي رغم ذلك لم توجد له سيرة ذاتية بمثل هذه الدقة في البحث والرواية مثل المقدمة التي أوردها له روزنثال، يتضمن الكتاب الحديث عن كيف كانت نشأة الطبري، وكيف كانت حياته، ورحلته العلمية وأبرز مصنفاته.
مؤلف كتاب الطبري حياته وآثاره
فرانز روزنثال: ولد عام 1914م لعائلة يهودية في برلين، تلقى تعليمه في برلين ثم التحق بجامعتها حيث درس اللغات والحضارات الشرقية، كما تتلمذ على أيدي كبار المستشرقين الألمان، غادر ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية بسبب خطر داهمه من السلطة إلا أنه فقد كل أثر لعائلته الذين لقوا مصرعهم، استقر في الولايات المتحدة وكان رائدًا من رواد الاستشراق الأمريكي، ومن أهم إسهاماته:
ترجمته لمقدمة ابن خلدون.
ترجمته لتاريخ الطبري.
معلومات عن المترجم:
الدكتور أحمد العدوي: باحث ومؤرخ ومترجم مصري، يعمل أستاذًا مساعدًا للتاريخ الإسلامي في إحدى جامعات تركيا، ترجم العديد من الكتب مثل: كتاب نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي، وكتاب قصة الورق: تاريخ الورق العالم الإسلامي.