الطبري الإنسان
الطبري الإنسان
كان مقام الطبري في محلة الشماسية الواقعة بالجانب الشرقي من بغداد، وكانت هذه المنطقة مقامًا لعدد كبير من النحاة، وكان هناك مسجد مجاور لداره يؤدي فيه الصلوات بانتظام ويقيم فيه الدروس وعرف بمسجد الطبري.
أمّا عن هيئته فقد كان أسمر البشرة، ذا عينين كبيرتين ولحية كبيرة، طويل القامة نحيف القوام فصيح اللسان، تمتع بالصحة الجيدة طيلة عمره لكن أصابه مرض خطير في آخر حياته توفي على أثره، وكان يتجنب تناول الدهون واللحم الصِّرف، وكان يفرط في الطعام أحيانًا عندما يرغب في إظهار حسن العشرة عند تنزهه مع أحد جيرانه.
كان يعد نفسه محيطًا بعلم الطب في عصره إحاطة جيدة، وكان حريصًا على النظافة الشخصية في أدق التفاصيل، فكان على سبيل المثال عند أكله يُبعد لحيته بيده اليُسرى كي لا يلوثها الطعام.
كما تشير العديد من الدلالات إلى أن الطبري لم يتزوج قط طيلة حياته.
أمّا عن تقلده لبعض المناصب فقد عرض عليه تقلد القضاء لكنه رفض، وعرضت عليه في ما بعد ولاية المظالم لكنه رفض أيضًا وهو مما اعترض عليه تلاميذه لحاجة مثل هذه الولايات إلى شخص بعلم الطبري، لكن الطبري كان يصّر على رفض تقلد مثل هذه المناصب، وهذا قد يكون إمّا إرادة منه للتفرغ للتدريس والتصنيف وإما ورعًا من تقلد الوظائف السلطانية.
ومن خصاله الحسنة أنه عندما كانت تأتيه هدية كان يردها بمثلها أو أفضل منها كما كان يفعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهو ما ظل دأبه حتى وفاته.
ورغم عظم مكانة الطبري وعلو شأنه بين الناس فقد كان من السكان المتواضعين، يتمتع بعلاقة جيدة مع جيرانه من العامة والعلماء، وكان يخرج معهم للنزهة ويسدي إليهم النصائح حول تربية الأبناء.
كما كان الطبري يملك روح الدعابة، ولا يستنكف عن المزاح خصوصًا من بعض المتحذلقين من أصحاب اللغة.
كان الروتين اليومي للطبري هو الاستيقاظ قبيل صلاة الفجر ثم يشتغل بعد الصلاة بالبحث والكتابة حتى موعد صلاة الظهر، فيذهب إلى مسجده فيصلي بالناس ثم يقرئهم القرآن حتى موعد صلاة المغرب الذي يبدأ فيه درس الفقه حتى موعد صلاة العشاء ثم يعود في ما بعد إلى داره.
ولا عجب أن يقال إن الطبري كان مثالًا لتطبيق الشريعة بحذافيرها في حياته، وهو ما يليق بعالم مثله.
الفكرة من كتاب الطبري حياته وآثاره
هذا الكتاب هو مقدمة فرانز روزنثال التي افتتح بها ترجمته الإنجليزية لمصنف تاريخ الطبري، وتعتبر هذه المقدمة سيرة ذاتية للطبري جمعها روزنثال وكان يتمنى لو وضعت هذه السيرة الذاتية في كتاب مستقل، ولكن لم توافق اللجنة الموكلة بترجمة كتاب تاريخ الطبري على فعل ذلك.
يتضمن هذا الكتاب سيرة مفصلة للطبري الذي يعتبر من أكثر علماء الإسلام تصنيفًا وشهرة، والذي رغم ذلك لم توجد له سيرة ذاتية بمثل هذه الدقة في البحث والرواية مثل المقدمة التي أوردها له روزنثال، يتضمن الكتاب الحديث عن كيف كانت نشأة الطبري، وكيف كانت حياته، ورحلته العلمية وأبرز مصنفاته.
مؤلف كتاب الطبري حياته وآثاره
فرانز روزنثال: ولد عام 1914م لعائلة يهودية في برلين، تلقى تعليمه في برلين ثم التحق بجامعتها حيث درس اللغات والحضارات الشرقية، كما تتلمذ على أيدي كبار المستشرقين الألمان، غادر ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية بسبب خطر داهمه من السلطة إلا أنه فقد كل أثر لعائلته الذين لقوا مصرعهم، استقر في الولايات المتحدة وكان رائدًا من رواد الاستشراق الأمريكي، ومن أهم إسهاماته:
ترجمته لمقدمة ابن خلدون.
ترجمته لتاريخ الطبري.
معلومات عن المترجم:
الدكتور أحمد العدوي: باحث ومؤرخ ومترجم مصري، يعمل أستاذًا مساعدًا للتاريخ الإسلامي في إحدى جامعات تركيا، ترجم العديد من الكتب مثل: كتاب نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي، وكتاب قصة الورق: تاريخ الورق العالم الإسلامي.