الطاهرة الشريفة
الطاهرة الشريفة
لمزيدٍ من الإجلال في حق أمنا (رضي الله عنها)، فقد تميَّزت بمزيد من الخصائص لم تكن لأحدٍ غيرها، فمما تفرَّدت به (رضي الله عنها) أن جبريل (عليه السلام) سلَّم عليها، وقد رأته وسمعت صوته، فتروي لنا (رضي الله عنها): رأيْتُ رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وسلم) واضعًا يَدَيْه على مَعرَفةِ فَرَسٍ، وهو يُكلِّمُ رَجلًا، فقالت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): رأيْتُكَ واضِعًا يَدَيْكَ على مَعرَفةِ فَرَسِ دِحْيةَ الكَلبيِّ وأنتَ تُكلِّمُه، والمعرفة هي الشعر الذي يلي قفا الدابَّة، ودحية الكلبي هو صحابي مشهور كان جبريل (عليه السلام) ينزل على صورته، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ورأيْتِ؟ فقالت: نَعم، قال: ذاكِ جِبريلُ (عليه السَّلامُ)، وهو يُقرِئُكِ السَّلامَ، فقالت: وعليه السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبَركاتُه، جَزاهُ اللهُ خَيرًا من صاحبٍ ودَخيلٍ، فنِعْمَ الصاحِبُ، ونِعمَ الدخيلُ -أي الضيف-.
ومما تميَّزت به (رضي الله عنها) أن الوحي قد نزل في لحافها، ومعنى ذلك أنه نزل على النبي (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) حالَ كونِه نائمًا بجانبها في فراشها.
ولأن البلاء يكون على قدر إيمان أهل البلاء، فقد تهجَّم عليها المنافقون وطعنوا فيها، ففي حادثة الإفك المعروفة أنزل الله (عزَّ وجل) براءتها من فوق سبع سماوات، فصارت براءتها وشرفها يُتلى في القرآن إلى قيام الساعة، وصارت (رضي الله عنها) فارقًا بين المؤمن والكافر، بين المُصدِّق للقرآن والمُكذِّب له.
وفي قصّة الإفك كثير من الحِكم الجليلة، فمن الحكم في ذلك امتحان رسول الله، وتتمة المزيد من العبودية من عائشة (رضي الله عنها) وعن أبويها، ففي شدَّة المصيبة مزيد من الافتقار إلى الله، والرجاء له (سبحانه وتعالى)، وقطع الرجاء عن المخلوقين، وهذه منزلة عظيمة.
وفي تأخُّر الوحي لإعلان براءتها حكمة التمحيص، وحينما نزلت الآيات تهلَّلت قلوب المؤمنين واستبشروا بفرج الله تعالى.
الفكرة من كتاب المُبرأة عائشة حبيبة حبيب الله
قد يهرب الإنسان إلى كثيرٍ من الأشياء ليخرج قليلًا من شدَّة الحياة، ولكن أجمل هؤلاء الذين يهربون إلى أشياء تدفعهم مرَّة أُخرى إلى الحياة، تدفعهم بلهفةٍ وشوق، تدفعهم بكُل حُبٍّ وعطاء، بكل اطمئنان وسرور، وأكثر الأمور التي تُعيد إلى الإنسان تلك الروح، أن يحيا بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابتِه، والأجمل أن يشعر بدفء بيت رسول الله، أن يحيا مع قلب أمِّه عائشة (رضي الله عنها)، فيعرفها قبل أن يراها، ويعرف كيف كانت (رضي الله عنها) تملأ حياة رسول الله بالجمال والبساطة، وكيف كانت لها (رضي الله عنها) تلك المكانة الجليلة في قلب رسول الله.
مع كتابنا ننطلق معًا في زيارة لأمِّنا عائشة (رضي الله عنها) لنعرف المزيد عنها، وعن حياتها مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب المُبرأة عائشة حبيبة حبيب الله
مؤيد عبد الفتاح حمدان: أستاذ الفقه الحنفي في جامعة العلوم الإسلامية العالمية، ومن مؤلفاته: “القرآن الصاحب الوفي”، و”أوراد أهل السنة والجماعة”، و”رمضان كما عاشه النبي”.