الطائفة الباغية
الطائفة الباغية
وعلى عظم الأمر كان السببان الوحيدان للقتال في الإسلام هما الدفاع عن الدين، والدفاع عن المعاش والوطن الذي هو وعاء الأمن على المعاش، ويصبح القتال واجبًا ضد البغاة ممن يحتكرون الثروات ويمنعون حقوق الفقراء على نحو يهدد حياتهم، فحفظ النفس مقصد من مقاصد الشريعة، وقد قال ﷺ: “أيما أهل عرصة (مكان) أصبح فيهم امرؤ جائعًا فقد برئت منهم ذمة الله تعالى”، فالمال مال الله والأرض أرضه.
يقول ابن حزم الأندلسي: وفرض على الأغنياء من أهل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم بهم الزكوات ولا فيء أموال المسلمين، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بدَّ منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنُّهم من المطر والصيف والشمس وأعين المارة، ولا يحل لمسلم اضطرَّ أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعامًا فيه فضل عن صاحبه المسلم أو الذمي وله أن يقاتل عن ذلك وإن قتل فعلى قاتله القود- أي الدية- وإن قتل المانع فإلى لعنة الله لأنه مانع حقًّا وهو طائفة باغية، قال تعالى: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾، ذلك أن رفع الضعف عن المستضعفين مسؤولية كل قادر ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾.
الفكرة من كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
بين توُّحش الحضارة المادية بنظمها الرأسمالية أو الشمولية الشيوعية، التي أعطت الإنسان مطلق الحرية وجعلته سيدًا للكون يتصرَّف فيه كيفما شاء ويتملَّك دونما قيود، وبين زهد الدروشة والانصراف التام عن الدنيا، كان الإسلام منهجًا وسطًا لتحقيق الأمن الاجتماعي ليأمن الناس على معاشهم عن طريق تحقيق العدل المجتمعي، وفلسفة الإسلام في ذلك تأتي من نظرية “الاستخلاف”.
فالناس مستخلفون في ملك الله (عز وجل)، وكلاء عنه للتصرُّف في الموارد التي أوجدها لهم، وهذا لا ينزع حق التملُّك تمامًا وإنما يضع الضوابط عليه بما يحفظ اتزان المجتمع، يقول الإمام محمد عبده: “إن تكافل الأمة يعني أن مال كل واحد منكم هو مال أمتكم”، فنصيب الفقراء في أموال الأغنياء “حق”.
في هذا الكتاب يناقش الدكتور محمد عمارة مفهوم الأمن الاجتماعي وأهم مقوماته في الإسلام، وكيف نحقق العدل والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.
مؤلف كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
محمد عمارة (1931 – 2020): مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقِّق، كان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، وعرف بمنهجه الوسطي الجامع.
ترك ميراثًا كبيرًا من الكتب يزيد على 140 كتابًا، منها تحقيق الأعمال الكاملة لعدد من أبرز الكتَّاب مثل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده، كما ألَّف عن أعلام التجديد الإسلامي وعن التيارات الفكرية الإسلامية قديمًا وحديثًا، ومن مؤلفاته: “أزمة العقل العربي”، و”خطر العولمة على الهوية الثقافية”، و”الحضارات العالمية: تدافع أم صراع”، و”هل المسلمون أمة واحدة؟”.