الضمير المثقل بالذنب
الضمير المثقل بالذنب
يضيف نيتشه وفرويد تحليلًا آخر في علاقة الإخضاع الذاتي يرتكز على الضمير المثقل بالذنب، فيوضحان تعريفه ودوره في عملية الإخضاع، فيعرف نيتشه الضمير بأنه نشاط عقلي يسهم في تشكيل الظواهر النفسية ويتأثر بها، أي إنها إرادة تدفعنا سلوكيًّا وفكريًّا، ولكنها معرضة للانقلاب على نفسها، سواء كان انقلابًا داخليًّا أم خارجيًّا، وكلما استمرت الإرادة في الظهور، أُعيد إنتاج صور التبعية لرابطة الإخضاع.
ولكن ما الذي يسبب انقلاب الإرادة على نفسها؟ يدعي فرويد أن ذلك سببه حظر الرغبة، فالذنوب والآلام تثقل الضمير، وهو المحل الرئيس لتشكّل الأخلاق والخيال، وتلزم الفرد بالخضوع لمعايير داخلية، ما قد يفسر رغبة البعض في إيلام ذواتهم، مستمتعين بلذة أفعالهم، مما يشبع معايير داخلية لضمائرهم. وما يزيل الغموض أيضًا عن قابلية الذات للامتثال للقوانين هو شعور الفرد في ظلها بالذنب كلما راودته خواطر انتهاكه، أو الاقتراب من حدوده، وهو ما يطلق عليه فلسفيًّا مصطلح “التوبيخ الذاتي”، الذي يعززه القانون.
يرى ألتوسير في نظرية المساءلة أن اللغة تشكل الذات، فمثًلا الاسم ضمان لغوي لوجود الذات، وأسلوب المخاطبة داخل أطر القانون يُعد طلبًا للامتثال للأدوار المنصوص عليها، فالشرطي حينما ينادي فردًا في الشارع، فهو يذكره بدوره، ويطلب منه الامتثال لسلطته المستمدة من القانون، لتستمر الهوية بقبول الذنوب والآلام من مختلف المصادر.
الفكرة من كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
غالبًا لم ينشغل أحد بالمجالات السياسية والاجتماعية والفكرية دون أن يحتكّ بمفهوم السلطة، فعلاقتها بالأفراد وتأثيراتها فيهم لا يمكن تجاهلها، بل قد يرجع إليها النصيب الأكبر في طريقة رؤية الأفراد لأنفسهم وللعالم، وكيفية تصرفهم.
وبين أيدينا أحد هذه الكتب، يجمع في تحليله بين تجليات فرويد ونيتشه وفوكو، غير أنه يمتاز من غيره بنظرته الفريدة إلى السلطة، فهو لا يحصرها في شكل محدد، ولا يتركها خارج الفرد، بل يثبت تمددها وتغلغلها في داخله، وإعادة تشكيل ذاته، فكيف يحدث ذلك؟ ولماذا نقبل تعرضنا للإخضاع من قبل السلطة؟ وما أشكالها؟ وهل يمكن لنا أن نقاومها أم إنها معركة محكوم عليها بالفشل؟
مؤلف كتاب الحياة النفسية للسلطة.. نظريات في الإخضاع
جوديث بَتلر: فيلسوفة ومُنظّرة اجتماعية أمريكية، ولدت في عام 1956م، وحصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الأخلاق من جامعة ييل في عام 1984م، وتدرجت لاحقًا في التدريس في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، واكتسبت سمعة كبيرة بفضل أفكارها النظرية المبتكرة.
وتعد من الشخصيات الأكثر تأثيرًا في المدرسة النظرية الفلسفية المعروفة باسم “المادية الثقافية”، التي تركز على العلاقات الاجتماعية والثقافية ودورها في صناعة الهوية والسلطة. كما نشرت بَتلر عديدًا من الكتب المؤثرة في مجال الفلسفة والنظريات الاجتماعية، من أهمها:
قوة اللا عنف.
الذات تصف نفسها.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.
قلق الجندر.. النسوية وتخريب الهوية.
معلومات عن المترجمة:
نور حريري: باحثة ومترجمة سورية، تركز في عملها على الفلسفة بصورة خاصة، وتؤمن بأهمية حضور الفلسفة في مجالات غير أكاديمية مثل الصحافة والإعلام، حصلت على بكالوريوس في الفلسفة والدراسات الأمريكية، وماجستير في الفلسفة من جامعة جوته في ألمانيا.
سُبل النعيم.
قوة اللا عنف.
مفترق الطرق.. اليهودية ونقد الصهيونية.