الصين والبعث من جديد
الصين والبعث من جديد
مرت الصين بسنوات عجاف تمثَّلت في وقوعها فريسة القوى الإمبريالية ردحًا من الزمن، كما أضحت مرتعًا لعدد من النظم السياسية والاقتصادية التي قيَّدت إلى حد بعيد محاولات الاستفادة من إمكانياتها الذاتية، دون النظر إلى شيوع ثقافة تدني الاستهلاك والانغلاق المجتمعي والنظم البيروقراطية المركزية التي تقف عائقًا أمام محاولات البلد في الخروج من مستنقع التبعية والانطلاق نحو تأسيس نهضته المستقلة.
ولكن مع قدوم عام 1949 تفلَّتت الصين من براثن هذا الاستعمار الأجنبي وتأسَّست جمهورية الصين الشعبية، فامتلكت الصين زمام أمرها وأصبحت تتلمَّس بذلك محاولات إصلاح الأوضاع، بيد أنها انتهجت الشيوعية التي زادت على نحو كبير من مركزية القرارات مما شكَّل ضغوطًا على الوضع الاقتصادي، حيث استمرت سياسات الانعزال والعدائية لرأس المال الأجنبي وكان الاتجاه نحو الاستثمار المحلى في الصناعات الوسيطة بدلًا من إشباع حاجة السوق من المنتجات الاستهلاكية، فبدا وكأن الأمر لا يسير كيفما كان مخططًا له.
غير أن تحولًا جذريًّا حدث في عام 1978 حينما بدأت الحكومة الجديدة إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تمثَّلت في تطعيم الاشتراكية ببعض المبادئ الرأسمالية التي كان على رأسها تبدُّل النظرة العدائية لرأس المال الأجنبي وفتح الأسواق المحلية للشركات العالمية والاعتراف بنظام السوق وتشجيع ثقافة الاستهلاك المحلي، بالإضافة إلى الانخراط في السوق العالمي عبر تشجيع قطاع الصادرات والتجارة الدولية، وانضمت على إثر ذلك إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، وكان هذا الحدث بمثابة نقطة فاصلة في تطور الاقتصاد الصيني الذي أصبح رقمًا صعبًا في معادلة الاقتصاد العالمي، وبعد الأزمة العالمية 2008 أصبحت الآمال معقودة على الاستهلاك المحلي الصيني في انتشال الاقتصاد العالمي من براثن الركود الاقتصادي، كما أصبح جليًّا أن أية تأثيرات في الاقتصاد الصيني تظهر آثارها في الاقتصاد العالمي برمته، فالصين إذا سعلت أصابت اقتصادات العالم أجمع بالأنفلونزا.
الفكرة من كتاب على خطى الصين يسير العالم
الصين اليوم ليست هي الصين بالأمس، فتجربتها تحتوي على فوارق تاريخية دقيقة، وعلى ذلك فهذا الكتاب يوفر لنا كنزًا من المعلومات في صورة سهلة الاستيعاب ومثيرة للاهتمام حول ما أسهمت به إجراءات الإصلاح الاقتصادي من تغييرات جذرية في المعادلة المجتمعية في الصين.
مؤلف كتاب على خطى الصين يسير العالم
كارل غيرث Karl Gerth: كاتب وخبير في مجال النظم الاستهلاكية الصينية، حصل على دكتوراه الفلسفة من جامعة هارفارد، ويعمل أستاذًا للدراسات الصينية في جامعة أكسفورد، كما حصل على العديد من الجوائز البحثية من مؤسسة فولبرايت الأمريكية والأكاديمية البريطانية ووزارة التعليم اليابانية، ويشغل حاليًّا منصب الرئيس المشارك لفريق الصين بمشروع ceres 21 الذي يدرس عملية التكيف الإبداعي في صناعتي السيارات والطاقة مع التغيرات المناخية في ثلاث قارات برعاية مجلس البحوث النرويجي.
له العديد من الكتب منها:
الرأسمالية التي لا تنتهي.
ثقافة المستهلك وخلق الأمة.