الصوفية الشعبية.. بين الذكر والزار
الصوفية الشعبية.. بين الذكر والزار
ذكرنا سابقًا عدم وجود اختلافات جذرية بين الطرق الصوفية، ويمكن تحديد هذه الاختلافات في تجمعات الذكر أو “الحضرة”، حيث تختلف صيغة الأوراد وكثافتها من كل طريقة إلى أخرى، وربما وجدت مبالغات من بعض الطرق في كيفيته أيضًا كالتحكُّم في التنفُّس، ولكن من الشائع أيضًا وجود مريدي طرق مختلفة في حلقات ذكر تجمعهم في الموالد الكبرى مثل المولد النبوي، وتوجد طرق أخرى يمثل الذكر لها حرجًا حتى أنها لا تعقد حلقات ذكر على الإطلاق كالطريقة الخلوتية، ولكثافة عدد المتعلمين في هذه الطريقة فإنهم ينظرون باستهانة إلى الطرق الشعبية الأخرى، مثل الطريقة الرفاعية إحدى أكبر الطرق في مصر والمعروفة بذيوعها بين الفلاحين والعامة، حيث تزداد المبالغات والممارسات الغريبة في هذه الطرق، وفي النهاية تتفق معظم الطرق أن الخلوة بين العبد وربه هي الوسيلة المثلى للذكر، وفي مصر تستظلُّ هذه الطرق تحت المجلس الأعلى للطرق الصوفية الذي يضم مشايخ الطرق الكبرى وممثلي الأزهر ودار الإفتاء.
لا تكون كل جلسات الصوفية للذكر فقط، ولكن حديثًا أصبح هناك “الزار”، وهي ممارسة دخيلة على الثقافة الإسلامية بالكامل، ويمكن بسهولة ملاحظة العادات الأفريقية في تفاصيلها، ولا تقتصر في صيغها على الأولياء المسلمين فحسب، وبذلك تكون تلك هي الممارسة التي تجمع العامة من كلتا الديانتين، ولكن الأكثر تفردًا في المسيحية ثقافة بركة الأيقونات وبقايا القديسين، إذ يعتقد زوار الكنيسة في قدرتها، ولا يوجد نظير لهذه الحالة عند الصوفية، فشيء مثل أخذ أجزاء أو بقايا الموتى واستخدامها هو تعدٍّ جسيم في الشريعة الإسلامية.
الفكرة من كتاب الموالد والتصوف في مصر
إن التلاحم بين العناصر الدينية وغيرها في الشرق الأوسط، يظهر بشكل واضح في العديد من الممارسات الصوفية، تلك المشاعر المختلطة بين الخشوع والرجاء، والرغبة والرهبة، تذهل كل من يعاينها ويختلط بأصحابها، وقد شهد الدكتور الهولندي نيكولاس تلك الموالد، ووثَّق حوادثها بمشاعر الرحالة، واختلط بالمشايخ والمريدين لينقل لنا صورة معاصرة لتلك المذاهب، وهي بالتالي مختلفة بالكامل عن الصورة الأكاديمية والنماذج الذهنية المُعدَّة لها، ولا يختصُّ الكتاب بالخلافات المذهبية بين الصوفية وغيرهم بشكل مباشر، فقط إنها عين أوروبي يوثِّق الأفكار التي لم يرَها خارج الكتب من قبل.
مؤلف كتاب الموالد والتصوف في مصر
نيكولاس بيخمان: وُلِد في هولندا عام 1936م، والتحق بجامعة لايدن في هولندا، حيث درس اللغات الشرقية؛ العربية والتركية، وحصل على درجة علمية في الدراسات الإسلامية، كما عمل سفيرًا لهولندا في الأمم المتحدة، وشغل منصب السفير الهولندي في القاهرة بين عامي 1984 و1988 م.
من مؤلفاته:
سكوبيا أحباب الله.
العيش في التصوف.
معلومات عن المترجم:
رؤوف سعد: درس الصحافة والمسرح وعمل بهما، ويقيم حاليًّا في هولندا، وله عمل روائي بعنوان “بيضة النعامة”.